ختلطت المشاعر في أوساط الاقتصاديين حيال التحرّكات الشعبية التي بدأت مساء الخميس، ولا تزال مستمرة. وبرز «الضياع» في تقييم ما يجري الى حد التناقّض: هل ينبغي أن نفرح ونطمئن لأنّ الشعب انتفض، وقد يحصل التغيير المُرتجى، أم نخاف ونقلق لأننا دخلنا «رسمياً» في المجهول؟
 

تباينت آراء الاقتصاديين ومواقفهم في استشراف إيجابية الانتفاضة الشعبية أو سلبيتها على المستوى المالي والاقتصادي. واستند التناقض في قراءة ما يجري الى الاسئلة والتساؤلات التالية:

اولاً - اذا انتهت الانتفاضة غداً أو بعده أو ما بعد بعد غد، من دون إسقاط الحكومة، وبناءً على تعهدات إصلاحية، ووعود بإلغاء برنامج زيادة الرسوم والضرائب، هل سيكون الوضع بعد ذلك أفضل من الناحية المالية والاقتصادية؟

ثانياً - اذا استمرت الانتفاضة واستقالت الحكومة، هل سيكون وضع البلد أفضل في ظل حكومة تصريف أعمال قد تستمر لفترة طويلة قبل الاتفاق على حكومة جديدة، بصرف النظر عن شكل هذه الحكومة وطبيعتها؟

ثالثاً - اذا استمر الحراك الشعبي، وفرض الناس انتخابات نيابية مُبكرة، وبصرف النظر عن تفاوت التقديرات في شأن نسبة التغيير التي قد تحصل في التوازنات القائمة، في إعادة تكوين السلطة، هل يستطيع الوضع المالي والاقتصادي أن يصمد بانتظار انتهاء هذه المرحلة؟

رابعاً - في مسألة التغيير، وبعيداً من معادلة توفُر الوقت لإجراء أي تغييرات في التوازنات السياسية، هل يمكن أن يؤدي المسار الشعبي الى تغيير جذري في التوازنات السياسية أم أنّ سقف هذا التغيير المنشود لن يتجاوز، في أحسن الأحوال، السماح بدخول حفنة من النواب الجدد الى البرلمان، من دون التمكّن من كسر حلقة التوازنات القائمة؟ وبالتالي، لا يمكن الادعاء انّ التغيير قد حصل، بل تكون النتيجة إدخال «عناصر» إضافية تُزعج القوى السياسية المتحكّمة في اللعبة، بصوتها، كما يفعل بعض النوّاب اليوم، لكنها لا تستطيع أن تؤثر على القرار، وبالتالي، تبقى مجرد ظاهرة صوتية لا أكثر ولا أقل؟

خامساً - اذا فتحت الاسواق المالية بعد أيام، وبصرف النظر عن المعالجة أو المخرج الذي يكون قد أدّى الى خروج الناس من الشارع، كيف سيكون حال الليرة استناداً الى حجم الطلب على الدولار؟ وما هو السعر الذي سيبلغه الدولار في السوق الموازي، وهو السوق الفعلي للدولار، ما دام السوق الرسمي بات يقدّم التسعيرة الرسمية، من دون أن يقدّم الدولار؟

سادساً - كيف ستكون حركة سحب الاموال وتحويلاتها في المصارف؟ هل سترتفع وتيرة الطلب على الدولار، ووتيرة سحب الاموال ونقلها الى المنازل أو الى الخارج أم ستتراجع؟

سابعاً - من المعروف انّ القسم الأكبر من حجم الودائع في المصارف، والبالغ حالياً حوالى 170 مليار دولار، تملكه نسبة صغيرة من كبار المودعين. والسؤال كيف سيكون مزاج أعضاء هذا النادي من الأثرياء؟ هل سيشعرون كما يشعر عامّة الناس بالفرح والارتياح، أم قد ينتابهم القلق ويقررون في غالبيتهم سحب ودائعهم المصرفية الى الخارج من باب الحيطة والحذر؟

ثامناً - ماذا سيكون مصير الاكتتاب الجديد الذي قررت وزارة المالية إصداره للضرورة القصوى، بهدف تسديد استحقاق مالي في تشرين الثاني المقبل؟

تاسعاً - اذا حصل الانهيار المالي قبل إنجاز التغيير المنشود في التوازنات السياسية، هل يمكن القول انّ ذلك أفضل للناس، وانّ الدولة ستُعيد بناء نفسها على أسس جديدة؟ أم أنّ ذلك سيكون بمثابة كارثة حقيقية، وسيدفع الناس كلفة باهظة لا مجال لمقارنتها بالكلفة التي قد يدفعها المواطن جرّاء بعض الرسوم واستمرار الوضع كما هو عليه اليوم؟

عاشراً - هناك حالياً 6 مكونات سياسية أساسية تتشكّل منها السلطة التنفيذية، ومعها السلطة التشريعية، هي: «حزب الله»، حركة أمل، تيار المستقبل، التيار الوطني الحر، حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي. فهل انّ هذه القوى، وفي حال إجراء انتخابات نيابية مُبكرة، ستفقد أرجحيتها في «تقاسُم» السلطة؟

كل هذه التساؤلات، باتت تشكّل نوعاً من استمارة استقصائية يمكن استخدامها للحصول على توقعات وترجيحات في شأن ما ينتظر البلد وناسه في المرحلة المقبلة. ومن الواضح انّ الوضع سيكون شاقّاً وموجعاً، بصرف النظر عن المنحى الذي ستسلكه تطورات نزول الناس الى الشارع. مع الاشارة الى أنّ التأثير الايجابي الواضح للانتفاضة الشعبية حالياً يكمن في بَصيص الأمل الذي منحه هذا التحرّك للمواطنين. لكنّ المشكلة تكمن في أّن هذا الشعور اللطيف، والذي أنسى الناس وجود أزمة مالية واقتصادية، قد يتحوّل الى إحباط قاتل اذا ما انتهى الى لا شيء. وفي النتيجة، الأزمة الاقتصادية موجودة، وتناسيها لا يسهم في معالجتها. وهكذا نكون قد أصبحنا أمام معادلة شائكة: وقف الانتفاضة والخروج من الشارع بلا تغيير يُذكر وهذه كارثة، أو البقاء في الشارع لفترة طويلة والمجازفة بتسريع الانهيار المالي والاقتصادي وهذه كارثة أيضاً، ويبدو انّ الاختيار بين كارثة وكارثة ليس ترفاً، وليس خياراً يُعوّل عليه.