إنّها التجربة الثانية لي مع سيلان الدموع. السابعة والربع مساء على الباب الحديدي لمبنى شاكر وعويني، أنا والزميل لقمان سليم ننتظر أن يفتح الباب، لكن الأمن أصرّ على أوامره بأنه لن يفتح الباب، وان المفتاح مع الضابط المسؤول. عبثاً نراجع، عبثاً نطالب، عبثاً نشرح أنّ إقفال الباب يعني حصار الموجودين في الداخل ومنع الإعلاميين في الخارج من تأدية مهماتهم.
 

دقائق ثم بدأ المعتصمون يلجأون الى المدخل، وعلا الصراخ، دقائق وصار المشهد جحيماً. وضعت قميصي على أنفي، اتّقاء للغاز الآتي إلينا كغيمة، لكن المؤلم كان عويل السيدات. لقد حوصرن واختنقن، وإحداهن كاد يغمى عليها وهي تصرخ «دخيلكن رح موت».

كدنا جميعاً نختنق، وتعرضنا لضغط وتدافع شديدين، ذكّرني بكارثة الملعب الرياضي الذي توفي فيه العشرات اختناقاً بعد تدافع ادى الى حصرهم بالشريط الشائك.

خرجنا من ذلك المكان ببطء، نلتحف القمصان فوق الأنوف والعيون تنهمر غزيرة، واللعنات تنهال. المئات يتدافعون ويسيرون، ولكن يحترمون حق بعضهم في الوصول أولاً الى خارج غيمة الغاز اللعين، وأنا ولقمان ملثمان كالمطلوبين للعدالة.

صوت يصرخ وراءنا: «دخيلكن ضيّعت سكربينتي»...»امشي حافية».. «رح موت». تبكي وتصرخ كأنها لن تخرج من الجحيم.ساعدناها وطمأنّاها، فقطعت المسافة، الى الهواء النظيف، لكنها نسيت أين ركنت سيارتها من شدّة الصدمة. شكرتنا دون ان تنظر في وجوهنا وتعرف من نحن.

تحية للسيدات المناضلات اللواتي كنّ الأشجع والأجمل، والى لقاء في حقل غاز آخر، ولن ننسى أبداً أنّ مبنى في وسط بيروت تبث منه أخبار لبنان الى العالم عبر عشرات المحطات، وأنّ المفتاح قد ضاع..