على وَقع الضغط المفروض من قبل الشارع على السلطة الحاكمة، هناك سلسلة من الاجراءات الاصلاحية العاجلة مطلوبة فوراً من الدولة، واتخاذها اليوم يبقى أفضل من اتخاذها بعد يومين، لأنه كلما بقي المتظاهرون في الشارع كلما زادت مطالبهم... وما يرضون به اليوم لن يرضوا به غداً.
لعلّ أبرز إنذار الى خطورة الاوضاع المالية تَجسّدَ بإقفال المصارف أمس والاسواق المالية والصرافة. لذا، ستتجه الانظار يوم الاثنين، اذا فتحت المصارف أبوابها، الى سوق الصرف وتسعيرة الليرة مقابل الدولار، والى السحوبات من المصارف والاجراءات المالية التي تنوي اتخاذها لردع حركة سحب الاموال.
وفي هذا السياق، اعتبر وزير الاقتصاد السابق رائد خوري انّ وضع الليرة يوم الاثنين سيكون مرتبطاً بالاجراءات التي ستقوم بها الحكومة خلال هذين اليومين، وما ستقرّ من الاصلاحات المنشودة، ومدى تجاوب الناس معها. وقال لـ«الجمهورية»: نحن اليوم أمام أزمة ثقة بين الطبقة السياسية والناس، والفرصة اليوم سانحة ليبرهنوا انهم قادرون. وبالتأكيد، انّ الحكومة لا تزال قادرة على ان تبرهن انها قادرة، ولا يزال في إمكانها العمل لتثبت جديّتها بالاصلاحات، وإصدار كل القرارات المطلبية للمواطنين. أمّا اذا فشلوا بذلك فبرأيي الافضل للحكومة ان تستقيل، ويتم تشكيل حكومة أخصائيين او تكنوقراط لإنقاذ الاقتصاد.
 
واعتبر خوري ان الاولوية اليوم هي لوقف مزاريب الهدر، فالمطلوب أن يُتخذ قرار بخصوص ضبط المرافق الحيوية ومكافحة التهريب الحاصل في مرفأ بيروت، وتشكيل الهيئة الادارية لإدارة المرفأ، وتغيير ادارة الجمارك فلم يعد مسموحاً حصر قرار إدخال مستوعبات بأفراد ذي محسوبيات. ولا شك انّ إصلاح الكهرباء هو الملف الاساسي الذي يجب حله، فإقرار خطة الكهرباء هو عامل أساسي لكل شيء. لذا، المطلوب إقرار خطة الكهرباء نهائية. كما دعا الى «رفع السرية المصرفية عن المسؤولين، فالناس بحاجة لأن ترى انّ هناك اشخاصاً يُعاقبون، ولا تدير الاشباح الفساد». وشدد على انّ كل هذه التدابير اساسية لإعطاء إشارة جيدة للناس.
 
ورأى خوري انّ التأخّر في اتخاذ إجراءات سريعة لن يكون لصالح السلطة، لأنّ ما يقبل به الناس اليوم لن يقبلوا به بعد أسبوع. لذا، على الحكومة ان تكون سبّاقة، لأنّ ما هو مُتاح اليوم لن يكون مُتاحاً غداً.
 
وعن تأثير هذه التحركات على خطر انهيار الليرة، قال: لا شك في انّ الاحتجاجات في الشارع ستزيد الطلب على الدولار والضغط على الليرة، وأصحاب رؤوس الاموال يراقبون هذه الاوضاع، كما انّ المؤسسات الدولية تراقبها أيضاً. نخشى من أن تُعيد النظر بسرعة في تصنيف لبنان قبل المواعيد المعلنة رسميّاً لتصنيف لبنان.
 
وقال: منذ سنتين ونصف السنة نَبّهنا من خطورة الاوضاع الاقتصادية، وطرحنا ما يجب ان تقوم به الحكومة، لكنها تأخرت كثيراً في المعالجة. لذ،ا نخشى ان لا تكون الحكومة قادرة على التعويض بعد اليوم، لذلك نشدّد على ضرورة اتخاذ الاجراءات الاصلاحية سريعاً في اليومين المقبلين، حتى قبل يوم الاثنين، وإلّا «سيكون بانتظارنا أزمة كبيرة في ذلك اليوم».
 
ورداً على سؤال، أكد خوري انه اذا بقيت الطرقات مقفلة وهناك صعوبة في التنقل، فالمصارف ستواصل الاقفال يوم الاثنين المقبل.
 
وزني
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي غازي وزني انّ أمام الحكومة اليوم خيارين: الأول إنقاذي، وهو لا يزال متوافراً إنما يحتاج الى إجراءات إصلاحية جذرية وحقيقية وفعلية، من شأنها أن ترسل إشارات صادمة وايجابية، تتوجه فيها اوّلاً للمتظاهرين، وثانياً لوكالات التصنيف الدولية وللاسواق المالية العالمية وللدول المانحة في مؤتمر سيدر. واعتبر وزني انّ كل ما قدمته الحكومة لا يرتقي الى مستوى التحديات، وكأنّ المسؤولين في غيبوبة. وشّدد على انّ بداية الاصلاحات الفعلية يجب ان تبدأ من إصلاح الكهرباء فوراً، وهو يشكّل الخيار الثاني، مُشدداً على انّ هذه الخطوات يجب ان تتخذ بأقرب فرصة، لا بل قبل موعد الذهاب الى مؤتمر سيدر في 15 تشرين الثاني 2019، خصوصاً انّ كل الاصلاحات متوافرة ومطروحة بدءاً من إطلاق مناقصة الغاز، وصولاً الى تعيين مجلس ادارة الكهرباء والهيئات الناظمة، وإطلاق لا مركزية مولدات الكهرباء في المناطق ضمن قدرة 300 الى 400 ميغاوات، والشروع فوراً الى تحويل استخدام الفويل أويل في مؤسسة كهرباء لبنان الى الغاز أويل، والذي سيؤمّن وفراً على الخزينة.
 
امّا الخطوات الاصلاحية المتبقية فتتمثّل بإقرار الموازنة مُتضمّنة إشارات فعلية وحقيقية عن كيفية مكافحة الفساد، يكفي ان يرد في الموازنة إصلاحات رمزية على ان تطبق فوراً، مثل: خفض رواتب النواب والوزراء والنواب السابقين ورؤساء الوزراء السابقين 50 في المئة، دمج المؤسسات العامة فوراً، أي الآن وليس بعد ثلاثة اشهر، اتخاذ إجراءات بالتوظيفات العشوائية بعيداً عن الانتماءات الطائفية والمذهبية والمحسوبيات، السماح لأيّ مؤسسة عامة استثمارية بالاستثمار من دون موافقة مجلس الوزراء. امّا في ما خَصّ الاجراءات الضريبية، فالمطلوب أولاً مكافحة التهرب الضريبي في الجمارك من خلال وضع سكانرز وغيرها، وقف إعطاء المهل الاضافية لتسوية أوضاع الاملاك البحرية، تطبيق الضريبة التصاعدية الموحدة على المداخيل، الأمر الذي يُطالب به البنك الدولي من العام 2000. واعتبر وزني انّ هناك مجموعة من الاجراءات التي تخص المصارف ايضاً يجب اتخاذها، وهي:
 
إستبدال استحقاقات الدين بالليرة والدولار بين الاعوام 2020 الى العام 2025 بمعدلات الفوائد نفسها من ناحية الأجل والقيمة التي كانت مُعتَمدة في السابق، أي 6.34 في المئة على الدولار و6.83 في المئة على الليرة. واعتبر وزني انّ من شأن هذه الخطوة أن تحقق وَفراً يصل الى 800 مليار ليرة سنوياً. لذا، يجب الشروع فوراً في التفاوض مع القطاع المصرفي عبر مصرف لبنان.
 
وأخيراً، دعا وزني الى الشروع بالتَشركة لشركتي الخلوي وكازينو لبنان وغيرها، كما يجب إلغاء الوكالات الحصرية والشروع فوراً في شراء الفيول من دولة لدولة، والتوقف عن شرائه عبر المستوردين. وفي هذا السياق، يكفي التذكير بأنّ حل أزمة المحروقات بواسطة تعميم مصرف لبنان استنزَف 240 مليون دولار من الخزينة.