رجّح معهد التمويل الدولي أن يبقى لبنان، في ظلّ غياب الاصلاح الحقيقي والدعم الخارجي، في حلقة مفرغة من ارتفاع الديون، وارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع الاستثمارات الخاصة والنمو المنخفض.
 

أى كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي (Institute of International Finance IIF)، غربيس ايراديان، انّ مزيداً من التأخير في الاتفاق داخل الحكومة على التدابير والإصلاحات الهيكلية، بما فيها رفع ضريبة القيمة المضافة على السلع الفاخرة، ورفع ضريبة الاستهلاك على البنزين، وإقرار مراسيم لمحاربة التهرّب الضريبي وسد عجز الكهرباء، سيؤدّي الى إحباط المستثمرين الأجانب والمحليين، والى مزيد من التأجيل في صرف قروض «سيدر».

وقال لـ«الجمهورية» انه نتيجة لذلك، سينكمش الاقتصاد في العام 2019 بنحو 1 في المئة، وقد يتقلص مرة أخرى في العام 2020، «في حين انّ هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين في شأن التوقعات الاقتصادية بعد العام 2020».

واشار ايراديان الى انّ مزيداً من التأخير في الاتفاق على الإصلاحات اللازمة سيجعل من الصعب للغاية على مصرف لبنان الدفاع عن ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، لافتاً الى انّ الودائع في المصارف قد تتراجع مع تدهور ثقة المستثمرين في الاقتصاد اللبناني بنسبة أكبر.

في هذا الاطار، توقّع تقرير معهد التمويل الدولي الأخير تحت عنوان: «الشرق الاوسط وشمال افريقيا: التقدّم إلى الأمام يواجه عقبات كبرى»، أن ينكمش الاقتصاد اللبناني في العام 2019، مرجّحاً أن يؤدي مزيج ارتفاع أسعار الفائدة والمشاحنات السياسية والإنفاق على المستحقات القديمة، بالاضافة الى التأخير في الاتفاق على الإصلاحات المطلوبة، إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.8 في المئة في عام 2019.

وفي العام المقبل، اعتبر معهد التمويل الدولي انّ الاستقرار السياسي إلى جانب الإصلاحات المالية والهيكلية واموال «سيدر» البالغة 11 مليار دولار، من شأنها أن تحسّن الاستثمار وصافي الصادرات بشكل تدريجي. وفي غضون ذلك، عَدّل المعهد توقعاته للنمو في العام 2020، وخفّضها إلى أقل من 1 في المئة «لأنّ السلطة فشلت، لغاية الآن، في إقناع الجهات المانحة بأنّ الإصلاحات اللازمة يجري تنفيذها».

وأوضح معهد التمويل الدولي انّ تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، بما في ذلك التعديل المالي وإصلاح قطاع الكهرباء، قد يبعث بإشارة إيجابية إلى السوق.

وذكر انه من المتوقع أن تُوافِق الحكومة هذا الأسبوع على مشروع موازنة 2020، بما في ذلك تدابير إضافية لتعزيز الإيرادات وخفض في الإنفاق غير المُنتج، مما يهدف إلى تقليص العجز المالي إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. آملاً أن توافق الحكومة على تدابير للحَدّ من التهرّب الضريبي بشكل حاسم، وعلى رفع ضريبة الوقود وضريبة القيمة المضافة على المنتجات الفاخرة.

وشدّد على انّ تنفيذ مثل هذه التدابير إلى جانب خفض الإنفاق، سيزيد من فرص نجاح التصحيح المالي ويحسّن الثقة ويوفر فرصة لتعزيز موازنة البنك المركزي وخفض أسعار الفائدة. ولفت الى انّ معالجة الفساد وتفعيل الحوكمة يجب ان تكون مكونات أساسية للإصلاحات المالية والهيكلية، «إلّا انّ التقدم في هذه المجالات يتوقّف على إرادة سياسية قوية ومُستدامة».

ورجّح معهد التمويل الدولي ان يبقى لبنان، في ظلّ غياب الاصلاح الحقيقي والدعم الخارجي، في حلقة مفرغة من ارتفاع الديون وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاستثمارات الخاصة والنمو المنخفض.

وتوقّف معهد التمويل الدولي في تقريره عند أزمة شحّ الدولار الأميركي في الأشهر الأخيرة، مشيراً الى تباطؤ نمو الودائع المصرفية رغم ارتفاع أسعار الفوائد، ما قد يجعلها غير كافية لتمويل العجز الكبير المزدوج.

وذكر انّ القلق بشأن شحّ الدولار، «والذي يعزى جزئيّاً إلى الزيادة الحادة غير العادية في واردات الوقود التي يتم تهريبها جزئياً إلى سوريا، أثار مخاوف من احتمال خفض سعر الليرة اللبنانية».

وجاء في التقرير: «انّ الطلب على الدولار زاد أيضاً بسبب ضعف الثقة وتدهور الوضع الاقتصادي، مما أجبرَ بعض الافراد والشركات على اللجوء الى الصيارفة الذين يبيعون الدولار عند حوالى 1600 ليرة لبنانية مقارنة مع سعر الصرف الرسمي الثابت البالغ 1507».

أضاف: «وعلى الرغم من الشحّ المستجدّ في الدولار، تواصِل الجهات الرسمية اعتبار تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار مفتاحاً للاستقرار المالي، في حين أنّ الارتفاع الفعلي لسعر الصرف في السنوات الأخيرة قد أضعف القدرة التنافسية وزاد الطلب على الواردات.

من جهة أخرى، ذكر معهد التمويل الدولي انه رغم استخدام البنك المركزي بعض احتياطاته من العملات الأجنبية لسداد ديون استحقاقات الدولة، فإنّ احتياطات العملة الأجنبية لا تزال عند مستويات مريحة عند 38 مليار دولار.

ورأى أنّ المستثمرين الاجانب قد يتجنّبون الاكتتاب بإصدار اليوروبوند المرتقب هذا الشهر، والبالغة قيمته ملياري دولار، بعد ان خفّضت وكالتا «فيتش» و«موديز» تصنيف لبنان الائتماني إلى CCC وCaa1 على التوالي، وفي ظلّ عدم توافق الحكومة بعد على مسار حاسم لتنفيذ مجموعة من الإصلاحات العاجلة المطلوبة. وأشار الى انّ استعادة الاهتمام الأجنبي مَشروطة باستئناف إصلاح قطاع الكهرباء ومحاربة الفساد.