عقد الرؤساء نجيب ميقاتي فؤاد السنيورة وتمام سلام اجتماعا مساء أمس، تم خلاله البحث في الاوضاع الراهنة من مختلف جوانبها في لبنان والمنطقة.


وفي نهاية الاجتماع، توجه الرؤساء الثلاثة في بيان، "بالتهنئة الصادقة الى اللبنانيين عموما والمسلمين على وجه الخصوص بانتخاب المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى في ظل اجواء تنافس ديموقراطية طبيعية وحيوية، أدت الى اختيار مجلس تمثيلي يساند دار الافتاء ويعمل على تثبيت خط الاعتدال الاسلامي والوسطية المنفتحة والداعم للعيش المشترك والواحد الاسلامي المسيحي".

واعتبر الرؤساء أن "الأوضاع الحرجة التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام، والأوضاع الدقيقة والحساسة التي يمر بها لبنان وعلى وجه الخصوص من النواحي السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، تستدعي التعاطي بالكثير من التبصر والحكمة مقرونة بالمبادرات الإصلاحية الجدية، إذ إن متطلبات الحفاظ على الاستقرار النقدي وتحقيق النمو الاقتصادي تستوجب قرارات شجاعة وجدية لاستعادة الثقة وإخراج البلاد من هذا الجو السياسي المحتقن، والتصدي للمصاعب والمشكلات المتفاقمة".

واستهول الرؤساء "ما وصلت إليه الحال السياسية والخطاب السياسي من ترد وتوحش لا يقيم وزنا لمصالح الوطن والمواطنين. إذ لا يجوز أن تدار مصالح الدولة من فوق منصات المزايدة. ولا يجوز لمسؤول ولا ينبغي له أن تزدوج شخصيته وان يمارس التحريض من جهة، فيما هو جزء أساس من منظومة الدولة. ولا يجوز لوزير أو رئيس تيار ان يحرض رئيس الجمهورية على الحنث بقسمه في حماية الدستور وان يعتبر مناسبة 13 تشرين الأول إعادة الأمور إلى نقطة ما قبل الطائف. إن لبنان لم يعد يتحمل الأعباء التي ترتبها المغامرات السياسية والتي تعبث بالتوازن الدقيق للبنان في محاولات يائسة للاستفادة من ميزان قوى ظاهر متجاهلة دقة المعادلة اللبنانية، ولا سيما في ظل دقة الأوضاع العربية والاقليمية والدولية الراهنة".

وأكدوا على "ضرورة الحفاظ والاحترام الكامل لاتفاق الطائف والدستور المستند إلى الإجماع الوطني والمرتكز على التمسك بسموّ فكرة العيش المشترك، وعلى الاحترام والالتزام بمقررات الشرعيات الوطنية والعربية والدولية. فدستور الطائف شكل الرافعة التاريخية التي أوقفت الحرب الداخلية اللبنانية والنزف الأهلي وأدت إلى ابتكار صيغة التفاهم بين اللبنانيين والتي أكدت على وحدة وعروبة لبنان ونهائيته وعلى أن لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل"، مشددين على ان "دستور الطائف يجب ان تدافع عنه كل الطوائف فهو لها كلها وليس ملكا لطرف دون آخر. وان التركيز على استكمال تطبيق اتفاق الطائف واحترام الدستور، يفتح الآفاق لتطوير آفاق رحبة من امام جميع اللبنانيين لتعزيز الوئام الوطني بينهم. بينما وفي المقابل فإن تجاوزهما بالممارسة يفتح الباب على مصراعيه للمزيد من الإشكالات والتوترات والتخاصمات ويتسبب بانقسامات لا يستطيع لبنان ولا اللبنانيين تحملها"، لافتين الى أن "التجارب علَّمت اللبنانيين ان الالتزام بالعيش المشترك والدستور وبنظام المصلحة العربية المشتركة هو الذي جنب ويجنب لبنان الويلات ويحميه من التأثيرات السلبية بفعل الصدمات الداخلية والخارجية الكثيرة التي تهدد استقراره".

كما أكدوا "ضرورة الحرص والحفاظ على العلاقات العربية والدولية للبنان، بعيدا عن القرارات والخطوات الانفرادية والاستنفار وإطلاق العنان للممارسات والتصرفات والتصريحات الشعبوية والطائفية والمذهبية والحزبية. لقد حفلت السنوات والشهور الماضية، بالضغوط على علاقات لبنان العربية، وموقعه في النظام الدولي السياسي والاقتصادي والمالي، وهو ما ليس للبنان ولجميع اللبنانيين أي مصلحة في ذلك. فسياسة لبنان الخارجية كانت دائما تقوم على الالتزام بالإجماع العربي، والالتزام بنظام المصلحة العربية. وكذلك أيضا كان التزام لبنان الكامل بالقرارات الدولية، والحرص على الابتعاد عن سياسة المحاور، وهو الذي شكل وما يزال يشكل حماية للبنان وتعزيزا لأمنه.

وأشاروا الى انه "وسط الصعوبات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان أشد المعاناة، تتزايد الضغوط لحرف الانتباه عما يجب القيام به نحو أمرين:
الأول: وهو استهداف القطاع المصرفي، هذا علما بأن الاقتصاد اللبناني مثل جميع الاقتصادات في العالم يقوم على أساس التعامل مع المصارف التي يتم من خلالها القيام بجميع المعاملات اليومية لجميع المواطنين وفي حفظ ثرواتهم النقدية وفي تسديد النفقات لجميع المواطنين وكذلك في تمويل عمليات الاستيراد واستمرار علاقات لبنان المالية مع الخارج. ذلك ما يتطلب الحرص على إنشاء العلاقات المصرفية مع المراسلين في العالم لتأمين احتياجات لبنان من العملات الصعبة، وبالتالي فإن هذا يعني حتمية التزام لبنان بالمعايير الدولية في علاقات مصارفه مع مراسليها في الخارج. أما الأمر الثاني فهو الحؤول دون إقرار الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية الضرورية الجذرية لمكافحة الهدر والفساد وإيجاد الأرضية الملائمة والصالحة للعلاقة والتعاون بين القطاعين العام والخاص لاستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي بمستقبل لبنان واقتصاده وماليته العامة. وكذلك الإسهام في تسهيل السير في مقررات مؤتمر "سيدر" المخصص لمساعدة لبنان على تخطي العديد من أزماته ومآزقه وتمكينه من تعزيز بنيته التحتية واعداده لمواجهة تحديات واستحقاقات المستقبل باقتدار. إن استمرار الاستعصاء وتقصد الحؤول دون القيام بالإصلاحات الضرورية يزعزع الثقة بلبنان واقتصاده ومعها الضرر الكبير اللاحق بجميع اللبنانيين".

ولفتوا الى ان "هناك إجماعا لدى اللبنانيين على عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم سالمين في أسرع وقت ممكن. وذلك يتطلب توفير الظروف اللازمة لعودتهم".

واعتبروا أن "الفرصة سانحة الان مع مناقشة موازنة العام 2020 والتي يجب ان تشكل محطة اساسية في الاعداد والتعامل مع مقررات مؤتمر سيدر، لمواجهة المستقبل وما يحمله من صعوبات واستحقاقات ويعد به من فرص يجب الاعداد للاستفادة منها. ان المعالجة الاقتصادية والمالية التي تقوم بها الحكومة بحاجة لاسناد وتكامل في الخطوات والاجراءات من جميع السياسيين لكي تنجح وتتقدم، اذ لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، بل ان الاستقرار والانتظام السياسي سابق وداعم للاستقرار الامني والنمو الاقتصادي"، داعين "الحكومة الى انجاز الموازنة العامة كما هو جار في موعدها الدستوري مع ما تتطلبه من خطوات جدية اصلاحية لتخفيف العجز وزيادة النمو على مختلف المستويات".

وختم البيان: "لبنان اليوم في أصعب ظروف سياسيا واقتصاديا وأمنيا. ولذلك يستهجن الرؤساء الخفة السياسية التي تسود المشهد العام وعدم المبالاة تجاه دقة الأوضاع الوطنية والاقتصادية والسياسية. وبدلا من ان يتركز الخطاب السياسي على إطفاء الحريق، هناك من يمتهن النفخ في سعيرها كأنه لم يكف لبنان حرائق غاباته. لذلك دعا الرؤساء اللبنانيين جميعا للتنبه والحذر والحرص على المحافظة على لبنان -وطن الرسالة- حتى لا يصبح جذوة صغيرة في لهيب إقليمي ودولي كبير دون شفقة او رحمة بمواطنيه".