الرئيس التونسي الجديد لم يدخل القصر الجمهوري، بانقلاب عسكري، ولا بفتوى معمم، ولا بصفقة ومساومة ومقايضة وببيع وشراء، مثلما جرى ويجري في دول عديدة من عالمنا الثالث المتخلف المريض.
 

لا تحشر هذه المقالة نفسها في البحث والتدقيق في سجل الرئيس التونسي، قيس سعيد، الفائز بثلاثة أرباع أصوات الناخبين، ولا في برامجه التي أعجبت التوانسة فانتخبوه لتحقيقها، رغم أن المراقب المحايد العادل المستقل لا يملك إلا أن يثق به وبتصميمه على تنفيذها وتحقيق أحلام مُواطنه الذي منحه الثقة وباركه وفرح بفوزه.

ولكن الذي تُركز عليه هو مقدار التحضر والوعي والوطنية الذي كشف عنه المواطن التونسي في هذه الانتخابات التي لم تحظَ بمثلها شعوب عديدة في المنطقة، كالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها.

 

وليس من باب المبالغة أن نعتبر ما حدث في تونس، مؤخرا، زراعة الشجاع الجريء المتحضر، الحبيب بورقيبة، الذي أسس لهذا الوعي ولهذه الوطنية، بجهاد عشرات السنين، جاعلا من الشعب التونسي أكثر شعوب العرب والمنطقة علمانية وديمقراطية وعقلانية، ومعافاة من العنف والتطرف والتعصب القومي والديني، وبعيدا عن إسلام الخرافة وجهاد القنابل المسمومة.

وطبقا لما أعلن من نتائج فإن الرئيس الجديد حصل على 72.53 بالمئة من الأصوات في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، في حين حصل منافسه على 27.47 بالمئة. وبهذا أصبح من حق الآلاف من التونسيين أن تهزج، وأن تحتفل بفوزها هي على تجار السياسة والدين.

 

ولعل أهم ما وجده المراقب العربي والأجنبي في الانتخابات التونسية الأخيرة خلوّها من السمسرة وبيع الأصوات وشرائها بالمال الحلال والحرام، ومن سطو الأحزاب وعصاباتها على صناديق الاقتراع لتديرها لصالح هذا الحزب أو ذاك، وهذه العصابة أو تلك.

والذي يحسد العراقيون والسوريون واللبنانيون والفلسطينيون، وعربٌ كثيرون آخرون، شعب تونس عليه هو انتخابُ رئيس مباشرة من قبل الجماهير.

فحين يدخل أستاذ جامعي إلى قصر الرئاسة بتفويض حر ونزيه من 72.53 بالمئة من الناخبين فهذا يعني أن من حقه أن يتحدث باسم الشعب التونسي، ومن واجب العالم كله أن يصدق أنه يمثل شعبه بحق.

فهو لم يُنتخب من برلمان ثلاثة أرباع نوابه دخلوه ببندقية ميليشيا أو بأموال حكومة خارجية أو بدعم جهاز مخابرات أجنبي.

 

بعبارة أخرى. إن الرئيس التونسي الجديد لم يدخل القصر الجمهوري، بانقلاب عسكري، ولا بفتوى معمم، ولا بصفقة ومساومة ومقايضة وببيع وشراء، مثلما جرى ويجري في دول عديدة من عالمنا الثالث المتخلف المريض.

ولأن الرئيس التونسي الجديد رجل علم وثقافة، فلن يحتاج إلى مداهنة هذه العمامة أو تلك الخوذة العسكرية أو تلك السفارة.

وأغلب الظن أنه سيكون تونسيا حرا شريفا بلا حدود، وعند حسن ظن شعبه به وبعدله وحسن تدبيره، أنه سيخدم شعبه، كلَّ شعبه، بإخلاص وتصميم وبلا تهميش ولا تمييز ولا انحياز. لقد خاطب الرئيس سعيّد مواطنيه الفرحين بفوزه، قائلا “اليوم فتحتم صفحة جديدة في التاريخ، أبهرتم العالم بتنظيمكم. ليطمئن الجميع. سأحمل الرسالة والأمانة بكل صدق وإخلاص، وبأعبائها وأوزارها”.

“سأعمل على أن يُطبق القانون على الجميع، وأولهم أنا، ليس هناك من سوف يُستثنى من تطبيق القانون عليه”.

هنيئا لك يا تونس رئيسك الجديد، ومبارك لكم أيها التوانسة نصرُكم على من أراد بكم سوء المآب.