يعرف حزب الله أن وضع لبنان ومصارفه واقتصاده ومؤسساته بمواجهة أميركا، هو خيار انتحاري، لن يجلب له ولا للبلد الا المزيد من الدمار والانهيار على خطى فنزويلا.
 
واضح أن حزب الله (ومعه النظام الايراني) ،قد وصل الى مرحلة الاختناق المالي بسبب العقوبات الاميركية القاسية والفعالة، وأن انعكاساتها السلبية لم تقتصر نتائجها على الحزب وحده بل طالت معه كامل الاقتصاد اللبناني وركائزه الاساسية المعتمدة بشكل كبير على الدولار، فشهدنا بسبب ذلك كل هذا الركود والازمات المتلاحقة والمتوقعة في القادم من الايام.
 
هذا الواقع الاليم، كان يفرض على حزب الله، بحسب السياسة الامركية وقفة تأمل وخطوة تراجعية حتمية تساهم بتغيير سياسة الحزب بما يتوافق مع التوجه الامركي بالمنطقة ويبعد لبنان عن السقوط الكبير.
 
إلا أن الحزب الذي لا يعرف التراجع ولا يوجد بقاموسه إلا الانتصارات، قرر المواجهة حتى النفس الاخير، ومعه العهد باعتبار أن الاخفاقات الاقتصادية والتعثر المالي هو "مؤامرة" تستهدف افشال العهد بما هو عهد وليست نتاج تغلغل حزب الله بمفاصل الدولة اللبنانية بسبب الخيارات السياسية وربط البلد عضويا بالحزب.
 
كان الرهان وحتى الامس القريب هو على مقدرة سعد الحريري التخفيف من وطأة العقوبات عبر سيمفونية التفريق بين الحزب وبين لبنان، وهذا المنطق الذي  لم يعد باستطاعة الحريري والفريق "السيادي" تعويمه وبالتالي انتفت الحاجة لوجوده كشريك بالتسوية ! 
 
 
التصعيد بمواقف رئيس التيار العوني، إن بذكرى 13 تشرين في الحدث، أو بمجلس الوزراء العرب، ما هو إلا مؤشر لسيناريو التصعيد والمواجهة الذي اتخذه حزب الله، وأبلغه لباسيل باللقاء الليلي مع السيد نصرالله، هذا اللقاء الذي كان يمكن أن يبقى سريا وبعيدا عن الاعلام، إلا أن الطرفين لم يمانعا الاعلان عنه مما يوحي بأن قرار وضع باسيل على لوائح العقوبات صار بمكان لا يمكن تفاديه وبالتالي فالاعلان عن اللقاء هو بمثابة جزء من المواجهة.
 
يبدو أن السيناريو المرتقب للمواجهة مع اميركا وعقوباتها، يقوم على الطريقة الشمشونية، وتحت شعار عليي وعلى أعدائي، وأن كل الصريخ والتهديد والوعيد الذي سمعناه من باسيل هو بالدرجة الاولى موجه للامركان والمجتمع الدولي، اذ كيف يمكن أن نفهم الحديث عن "قلب الطاولة" من صاحب الطاولة نفسه ! وعلى من يريد أن يقلبها؟! إلا إذا كان المقصود هو الخصم، للقول له بأن "التسوية" الرئاسية التي جاءت بعون الى بعبدا وبالحريري الى الحكومة والتي كانت تضمن بتوازناتها إبقاء المظلة الدولية وابعاد لبنان عن تشظيات الصراعات الاقليمية، والقول أن العقوبات على حزب الله ثمنها نسف هذه التسوية 
بعد فشل سعد الحريري بتحصيل اموال سيدر وغيره، هو الآن أمام خيارين وضعهما جبران أمامه، أما أن تكون شريك لنا بالمواجهة فتستمر برئاسة الحكومة، وأما تشكيل حكومة مواجهة جديدة وبرئاسة شخصية مستعدة لخوض "البحر" معنا.
 
يعرف حزب الله أن وضع لبنان ومصارفه واقتصاده ومؤسساته بمواجهة اميركا، هو خيار انتحاري، لن يجلب له ولا للبلد الا المزيد من الدمار والانهيار على خطى فنزويلا، إلا أنه لا يمانع من خوض مغامراته الجديدة معتمدا بذلك على خطاب إعلامي حاضر لتحويل أي هزيمة الى انتصار الهي، ووجود شمشون حاضر أن يكرر تجربة عمه، اذا كان الدمار وخراب البصرة هو الممر الاجباري للوصول الى الرئاسة .