يمكن لأمور كثيرة أن تحدث عند تحسين نوعية النظام الغذائي، أبرزها خسارة الوزن، وخفض خطر الإصابة بالأمراض، وامتلاك قوّة جبارة كفيلة بإتمام كل المهام اليومية. فضلاً عن ذلك، توصلت مجموعة أبحاث علمية أخيرة إلى أنّ ذلك قد ينعكس إيجاباً على الحالة المزاجية.
 

في الواقع، ثبُت أنّ هناك رابطاً بين الدماغ والأمعاء، ما يعني أنّ المأكولات التي تدخل الجسم لا تملأ الأمعاء وتُهدّئ الجوع فحسب، إنما تؤثر أيضاً في طريقة تصرّف الدماغ والمشاعر التي تَنتاب الشخص. يرجع السبب الرئيس إلى أنّ أكثر من 90 في المئة من هورمون السعادة «سيروتونين» الذي ينظّم المزاج، يأتي من الجهاز الهضمي، وفق دراسة صدرت عام 2015 في مجلة «Cell».

 

إنّ العلاقة بين المزاج والطعام دُرست على نطاق أوسع سُمّي علم النفس الغذائي، والذي يرتكز على فكرة أنّ التغذية تؤدي دوراً في حدوث الاضطرابات النفسية، إستناداً إلى دراسة نُشرت عام 2015 في «Lancet Psychiatry».

غير أنّ الباحثين غير مستعدين بعد لوصف حمية تحسّن المزاج. وفي هذا السياق، قالت اختصاصية التغذية مونيكا أوسلندر مورينو، من ميامي «إننا ندرس آثار بعض العناصر الغذائية والإدراك، والمزاج، والسلوك، وتحديداً الأوميغا 3 والفيتامين D والمأكولات المخمّرة، ولكن من المُبكر جداً إعطاء أي توصيات محددة في هذا المجال».

كذلك شدّدت على أنه «يُستبعد احتمال القول إنّ بعض المأكولات أو الحمية وحدها تستطيع علاج مشكلات الصحّة العقلية. غير أنّ تحسين الأكل عموماً وخفض استهلاك الأطعمة المصنّعة يضمن الشعور بحال أفضل، وبالتالي يشجّع على التحلّي بنظرة أكثر سعادة وإيجابية».

وكشفت مورينو عن أبرز الروابط التي تجمع بين الطعام والمزاج، إستناداً إلى الباحثين:

• الأكل الصحّي قد يخفّض أعراض الكآبة

الانتقال من الحمية غير الصحّية إلى أخرى معاكسة تماماً، حتى ولو لمدة قصيرة، يساهم في خفض أعراض الكآبة، وفق دراسة جديدة صدرت في تشرين الأول 2019 في «PLos ONE».

 
 

وفي التفاصيل، قسّم العلماء 76 طالباً جامعياً عانوا أعراض الكآبة إلى مجموعتين: الأولى أجرت تعديلات صحّية على غذائها، مثل تناول مزيد من الفاكهة والخضار والسمك وزيت الزيتون بدلاً من الأطعمة المصنّعة. أمّا الثانية فلم تعدّل نظامها الغذائي إطلاقاً. وبعد مرور 3 أسابيع، انخفضت أعراض الكآبة عند الأشخاص الذين تناولوا مأكولات صحّية مع انتقال درجة الكآبة إلى معدل طبيعي. أمّا المجموعة التي تمّ التحكّم بها فلم تشهد أي تغيّرات.

• تحسين الغذاء مرتبط بتقليل مستويات القلق

رُبط غذاء البحر الأبيض المتوسط تحديداً بانخفاض مستويات القلق، وفق دراسة صدرت في كانون الثاني 2017 في «BMC Medicine». على مدار 22 أسبوعاً، تقيّد 33 مُشاركاً بالحمية المتوسطية الغنية بالحبوب الكاملة، والسمك، والمكسرات، والخضار. وفي المقابل، فقد استمرّ 34 مشاركاً في غذائهم المعتاد، ولكنهم تلقوا دعماً اجتماعياً على شكل التحدث مع أشخاص مدرّبين. وبعد مرور 3 أشهر، شهدت المجموعة التي عُدِّل نظامها الغذائي تحسّنات إضافية في درجات كل من الكآبة والقلق.

• الأطعمة غير الصحّية تحفّز المزاج السيّئ

من المهم الأخذ في الاعتبار ما إذا كان التسبّب بالشيء مسؤول عن العلاقة بين الطعام والمزاج. على سبيل المثال، هل الشخص الذي يأكل أطعمة غير صحّية يصبح غير سعيد بسبب نظامه الغذائي، أو أنه لا يشعر بالفرح في المقام الأول ويعتقد أنه سيجد الراحة عند تناوله الحلويات والمأكولات المصنّعة؟

بعد إجراء دراسة صدرت نيسان 2012 في «Appetite»، خَلص العلماء إلى أنّ الطعام يستطيع التأثير في مزاج الشخص. فبعد تَتبّع 44 مشاركاً، وجدوا أنه كلما ارتفعت كميات السعرات الحرارية والدهون المشبعة والصوديوم المستهلكة، تفاقم المزاج السيّئ بعد مرور يومين.

• الحمية المليئة بالفاكهة والخضار تعزّز الرضا

توصلت دراسة نُشرت عام 2016 في «American Journal of Public Health»، شاركَ فيها أكثر من 12 ألف أسترالي، إلى أنّ الحميات الغنية بالفاكهة والخضار ساهمت في تحسين مستويات السعادة، والرضا عن الحياة، والرفاهية العامة. ناهيك عن أنه ليس المطلوب الالتزام بحمية صحّية لعقود كثيرة بغية بلوغ المنافع، فقد وجد الباحثون أنّ هذه التحسّنات ظهرت خلال عامين من التقيّد بغذاء صحّي أكثر.