ما كاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب يغرد عن وضع قواته في سوريا، حتى سارع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى الإعلان عن عملية عسكرية في المنطقة خلال الاجتماع التاسع والعشرين لحزب «العدالة والتنمية» الواجهة السياسية لحزب «الإخوان» الفرع التركي.
إردوغان قال: «أجرينا ترتيباتنا، وأعددنا خططنا للعملية وأعطينا التعليمات الضرورية»، بينما جاء رد كينو كبرائيل، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالقول إن «قيام تركيا بعملية عسكرية ضد المناطق السورية وقواتنا سوف يفتح المجال أمام حرب شاملة تعيد المنطقة إلى ما قبل عام 2012».

 


أما الأمم المتحدة المتفرج الدائم القلق دون أي تحرك يذكر، فقد قال منسقها الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأزمة السورية التابع للأمم المتحدة بانوس مومسيس في جنيف «لا نعرف ماذا سيحصل.. نستعد للأسوأ».
الخذلان الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) هو من شجع إردوغان على غزو الأراضي العربية السورية، فالرئيس التركي يزعم أن عمليته العسكرية هي من أجل إرساء السلام في شرق الفرات أيضاً إلى جانب دحر «خطر الإرهاب» من الحدود الجنوبية لتركيا. هذا هو كلامه وهذا هو شعار حملته العسكرية، لكن ما خفي كان أعظم.

 


يبقى السؤال أين كان هذا الكلام عن خطر الإرهاب، عندما كان «داعش» يحتل شمال سوريا وتجاور إردوغان وجنده، دون أي اشتباك أو قتال، بل كان الهدوء وتبادل التجارة والنفط، هو السائد والمدافع والبنادق صامتة، وبعد أن طرد «داعش» وهزم على أيدي قوات سوريا الديمقراطية أصبحت حدود إردوغان مع شمال سوريا في حالة خطر.
ولهذا فإن أي عملية عسكرية الآن في شمال سوريا، يخوضها إردوغان وجنوده، سوف تتسبب في إعادة مقاتلي «داعش» إلى المنطقة، فزعم إردوغان توطين ثلاثة ملايين سوري في مناطق «آمنة» هو تضليل كبير، وما ذلك إلا دليل على هوس إردوغان بالعبث بالفسيفساء والديموغرافيا السورية، التي هي الترجمة الحقيقية للتهديدات، كما أن المطامع التركية في مناطق شمال وشرق سوريا قديمة متجددة، ولا تختلف عن مطامع تركيا الطورانية في الموصل العربية العراقية، فالمطامع في الاستحواذ على الأراضي السورية بدأت منذ احتلال تركيا للواء الإسكندرون.

 


لواء الإسكندرون الذي يسميه بعض المؤرخين مثل ستيفن لونغريج «الألزاس واللورين السورية»، ويطلق عليه في سوريا المحافظة الخامسة عشرة، يحاول إردوغان استنساخ مشهده، بإعادة تشكيل الخريطة والفسيفساء السورية بمزاجه وهوسه بالعثمانية الثانية، فحاول العبث بالديموغرافيا السورية بشتى الطرق منذ اندلاع الحرب في سوريا، وبقواته التي ما فتئت تعبث بالأراضي السورية.

 


إردوغان عبث بالديمغورافيا في منبج وعين العرب السوريتين بين تهجير وتوطين وطرد للسكان الأصليين، من المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا، بل وصل الأمر إلى استخدام اللغة والعملة التركية في التعاملات، وافتتاح كليات جامعية في سوريا ونشر صور إردوغان في المرافق العامة، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا في إطار الاحتلال الغاشم، وليس ملاحقة للإرهاب كما تزعم تركيا إردوغان.

 


تركيا تتذرع بوجود مقابر تعود لقادة أتراك «عثمانيين» في مناطق شمال سوريا، لتبرير العبث بالديموغرافيا السورية، فهل هذا يبرر احتلال الدول وانتهاك سيادتها؟ الحقيقة أن وجود مقابر قادة أتراك في سوريا أو عموم بلاد العرب، يعود لفترة «الاستدمار» (وليس الاستعمار) التركي تحت عباءة «الخلافة العثمانية» التي يحلم إردوغان بإصدار النسخة الثانية منها بمساعدة تنظيم «الإخوان» الذي يعبث بأرض العرب، ويتخذه العثمانيون الجدد مطية لانتهاك أرض العرب.
كل ما هنالك هو أن إردوغان يجد الفرصة التاريخية لقضم قطعة أخرى من الأرض العربية، تماماً مثلما فعل أسلافه واقتطعوا لواء الإسكندرون من سوريا العربية.