الكاتب: أحمد زيدان

 

 

 

 
العملية التي طالما انتظرها السوريون والأتراك انطلقت أخيراً لتحرير مناطق شرق الفرات وتحديداً في تل أبيض ورأس العرب من عصابات قسد والبي ي دي واللتان هما في أصلهما وفصلهما الابن الشرعي لحزب البي كي كي الانفصالي الإرهابي الذي سرق أحلام الكرد بالحرية، وسعى إلى سرق الحلم السوري كله بالتحرر من عصابة طائفية استبدادية أذاقت العرب كما أذاقت الكرد وغيرهم مرارة الظلم والعسف على مدى نصف قرن..
 
 
وسط آمال السوريين ومخاوفهم وقلقهم انطلقت العملية يحدوهم أمل بتحرير هذه المنطقة مما يجعلها آمنة مطمئنة لبعض اللاجئين والمهاجرين الفارين من استبداد داخلي واحتلال خارجي، ومخاوف بالمقابل أيضاً في أن تطول العملية مما قد يستغلها الأعداء في الخارج ضد تركيا، لاسيما بعد التصريحات السلبية التي رافقتها من قبل أمريكا وروسيا وإيران وأوروبا وبعض الدول العربية المناهضة للربيع العربي وثوراته..
 

عملية نبع السلام التي جاءت مشتركة بين الجيش الوطني السوري والجيش التركي، وأتت أيضاً بعد دمج كتلة الجبهة الوطنية للتحرير مع الجيش الوطني التابع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، كل هذا شكل غطاءً حقيقياً سوريا، يقوم من خلاله السوريون بتحرير بلدهم من عصابات قسد الكردية، ولكن مع هذا ثمة مخاوف لاسيما فيما يتعلق بلجوء بعض أعضاء الكونغرس ممن  كان محسوباً على الرئيس الحالي ترمب ولا يزال بإصدار تشريع فرض عقوبات على تركيا، وتعهد الرئيس الأميركي بتدمير الاقتصاد التركي إن تجاوزت تركيا الحدود في عملياتها، ويبدو أن تعميم التغريدة الترمبية هدفها فتح المجال واسعاً أمام التحرك الأميركي ضد تركيا مستقبلاً دون أن يحدد بالضبط نوعية هذا التجاوز..

 

العصابة الكردية من قوات قسد الديمقراطية التي تقودها في الغالب عناصر طائفية هي  أقرب ما تكون للنظام السوري وإيران، بدأت تلوح بورقة تنظيم الدولة إذ إن هناك الآلاف من عناصره في السجون الميشياوية لقسد، وبالتالي بدأت بعض الأوساط الغربية تتحدث عن تخلي أميركا عن قتال داعش، وتخليها بالضرورة عن حليفها قسد، في قتال تنظيم الدولة، بينما الكل يعلم أن من كسر تنظيم الدولة في الشمال السوري هو فصائل الفتح المبين التي تمكنت دون هدم منزل واحد من كسر ظهر الدواعش ونشاطهم في المنطقة دون أي دعم دولي ولا حتى دون أي اعتراف دولي بجهودهم الجبارة هذه في كسر ظهر تنظيم الدولة "داعش"..

 

الدول العربية المناهضة للربيع العربي كالسعودية ومصر والبحرين والإمارات تحركت على الفور لإدانة ما وصفوه بالاحتلال التركي للشمال السوري، وكأن  الاحتلال الروسي والإيراني والمليشيات الطائفية كانت تزرع الورود والرياحين في طرق ودروب الشعب السوري، وكأن هذه الدول تعيش في عسل وطحين، فلا مصر لديها مشكلة مع أثيوبيا التي حرمتها النيل هبة الله لمصر تاريخياً، ولا السعودية تواجه مأزقاً مصيرياً و وجودياً على يد الحوثيين في اليمن، ولا الإمارات أذلها الله بانسحاب مذل أمام العصابات الحوثية، وتخلت  بالتالي عن حليفتها السعودية في منتصف الطريق لتتركها ومصيرها لوحدها، بعد أن هرعت لمصالحة إيران..

 

نبع السلام قادم بالسلام على المنطقة، ولكن مع هذا ثمة مخاوف جدية على الواقع التركي، إذ أن تركيا لأول مرة ربما تغامر عسكرياً في سوريا، وتجس نبض حلفائها الظاهريين كإيران وروسيا، وسط منطقة مليئة بالقوى المحلية والدولية كروسيا وإيران وأميركا وتركيا اليوم، بالإضافة إلى منطقة غنية بالمصادر الطبيعية كالنفط والغاز والقمح، فضلاً عن موقع جيوبولتيكي لقربها من العراق وتركيا والعصابة الأسدية، كلها تحديات ليست بالبسيطة..