ما يجري هذه الأيام على أيدي النظام الايراني الجديد، يكاد يكون أفظع وأخطر من المرحلة الصفوية، فلم يعد الحسين مجرد ضريح، وعاشوراء مجرد ذكرى لسكب الدموع.
 
تفيد التسريبات الاعلامية بأن قوات خاصة ايرانية تابعة للحرس الثوري دخلت إلى العراق منذ أيام  بهدف قمع التظاهرات الشعبية التي انطلقت في المدن والمحافظات العراقية، احتجاجا على سياسات الفساد والنهب والافقار التي يتعرض لها الشعب العراقي على أيدي طبقة متحكمة تعاقبت منذ 2003 على حكم العراق وأغرقته في بحار البؤس والعوز وجعلت من هذا البلد النفطي ( ثاني اكبر احتياط بالعالم )، بلدا يفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة والعيش الكريم .
 
المفارقة الكبرى في هذا السياق، أن واحدة من أكبر الفرق الايرانية المتعددة  التي دخلت العراق لتقمع صرخة الجوع ورفض المذلة، والمطالبة بالاصلاح تطلق على نفسها إسم (قوات أنصار الحسين – همدان)، وتحت مبرر مساعدة القوى الامنية العراقية للمحافظة على أمن زوار ضريح الامام الحسين في كربلاء بمناسبة اربعينية الامام.
 
وأمام هذه الصورة السريالية، نجدنا مرة جديدة أمام فهمين ومقاربتين لقضية الثورة الحسينية، وعلاقتنا بأهل البيت عليهم السلام، ونستحضر مرة جديدة خطورة الانحراف العقائدي والفكري الذي أرسته الحقبة الصفوية، بعد أن أفرغت مفهوم الثورة الحسينية وواقعة كربلاء التي حصلت سنة 62 للهجزة، وتحويل صاحب الواقعة من ثائر خرج لطلب الاصلاح في أمة جده، إلى مجرد "مظلوم" قتل هو وأهل بيته واطفاله لتتحول هذه الفاجعة التاريخية من محطة استنهاضية الى مجرد ذكرى للبكاء والنويح واللطم .
 
وما يجري هذه الايام على أيدي النظام الايراني الجديد، يكاد يكون أفظع وأخطر من المرحلة الصفوية، فلم يعد الحسين مجرد "ضريح"، وعاشوراء مجرد ذكرى لسكب الدموع بعيدا عن أي من الشعارات الاصلاحية التي رفعها الامام الحسين فحسب، بل الأنكى من كل هذا هو تحويل "الضريح" والذكرى إلى مبرر وسبب لممارسة الافعال والشنائع اليزيدية، فمن يرفع شعارات الامام الحسين ومن يحمل قضية الامام الحسين، يقتل ويسجن ويعذب بإسم الحسين، وتحول "الحسينيون" الجدد الى قاتلي النفس المحترمة، وناهبي المال العام، وناشري الفساد، ويمارسون أبشع انواع الظلم والطغيان والاستبداد .
 
فكما أنه "لن تسبى زينب مرتين" وحماية الضريح في سوريا تدخل النظام الايراني لحماية أبشع نظام وأفسد نظام وأطغى نظام، فكذلك هو الحال في العراق هذه الايام، فتحت شعار إحياء اربعينية الامام الحسين يقمع الحسينيون الحقيقيون ليحمى السارق والناهب واللص ! 
 
فإذا كان التضليل واستغلال الشعارات الحسينية قد انطلت على الكثير من الشيعة البسطاء في سوريا، بسبب استغلال تواجد التنظيمات الارهابية من داعش واخواتها المحسوبين زورا على السُنة، وبالتالي نجح النظام الايراني في تصوير الواقع على أنه استرجاع لصراع تاريخي، إلا أن واقع العراق مختلف تماما، فمعظم المناطق المنتفضة هي بالواقع مناطق شيعية، ويرفع المتظاهرون فيها أعلام الحسين وزينب والعباس، وهيهات منا الذلة، والسلام عليك يا أبا عبدالله .. مما يعني أن هامش التضليل والاستغلال المذهبي غير موجود البتة، ومن هنا نفهم ذهاب الدعاية "الايرانية" المناهضة لفقراء العراق المنتفضين في وجه ظالميهم الى مكان مختلف عبر استعادة الكلام عن المؤامرة والتدخل الخارجي والامركة والصهينة وما الى هنالك من سخافات لم تعد تنطلي على الاطفال، فيما الحقيقة هي أن العراق وشيعته مقسومين بين "حسينين"، حسين ثائر، و"حسين " سارق .