بغض النظر عن الدعم المالي والإقتصادي الذي عاد به رئيس الحكومة سعد الحريري والوفد المرافق من الإمارات، فهل سيستطيع لبنان التوليف بين مستلزمات الموقف السياسي والواقع الاقتصادي المازوم قابل الايام كفيلة للاجابة على ذلك.
 
 
مما لا شك فيه ان الكثير من المعطيات التي رافقت انعقاد المؤتمر الاستثماري الاماراتي - اللبناني ترك انطباعات إيجابية على أكثر من صعيد، لا سيما معنوياً حيث ساهم باستعادة وهج الاهتمام العربي وعبره الدولي بلبنان وضرورة الاستثمار فيه وأهمية النهوض باقتصاده.
كما ان الاشارات الحدّية التي كانت تواجه بها دول الخليج وعلى رأسها السعودية والامارات لبنان، قد خفت نتيجة التطورات السياسية في المنطقة والمتغيرات في بعض السياسات. إلا أن الاجواء الإيجابية جداً التي واكبت الزيارة، تحتاج إلى ملاقاتها لبنانياً للاستفادة منها، وذلك من خلال إظهار الجدية اللبنانية المطلوبة حول نيته الخروج من ازمته المالية والاقتصادية عبر اتخاذ قرارات جريئة وطارئة تقوم على الإصلاح ووقف الهدر والفساد، بدءاً بمعالجة عجز الكهرباء الذي يشكل المدخل الاساس الذي يفسح المجال للبدء بتقديم المساعدات المطلوبة للبنان كما سبق وأعلن في وقت سابق. وفي هذا السياق كشفت مصادر لبنانية مطلعة أن قرارا خليجيا اتخذ للعودة الى الساحة اللبنانية ضمن توجه استراتيجي عام هدفه مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ونقلت المصادر عن مراجع دبلوماسية خليجية أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها كل من السعودية والإمارات لم تكن تنتظر زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري، وأن الانخراط الخليجي في لبنان بات من ضمن الأمن الاستراتيجي لمنطقة الخليج.
وأضافت أن دول مجلس التعاون الخليجي معنية بهذا التوجه دون استثناء، وأن سلطنة عمان كما الكويت وقطر كانت قد عبرت عن هذا الاتجاه.
ورأت المصادر أن التوجه الخليجي يأتي متسقا مع توجهات الولايات المتحدة في المنطقة، لاسيما تلك التي تتعلق بلبنان. ولفتت إلى أن المساعي التي يبذلها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر للتوصل إلى تسوية لإنهاء النزاع الحدودي، البري والبحري، الإسرائيلي اللبناني، تكشف اهتمام واشنطن بملف لبنان، كما بالملف المتعلق بالتنقيب عن الغاز في منطقته الاقتصادية الخالصة.
 
 
 
لكن الملاحظات الأساسية والمخاوف الخليجية عموماً والإماراتية خصوصاً، تنطلق من دور حزب الله المتزايد في لبنان والمنطقة وحتى في اليمن التي تقاتل فيها القوات الاماراتية.
وحاول الحريري تطمين الإماراتيين بأن حكومته تتبع منطق النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، لكن هناك فريقاً مشاركاً في الحكومة يخرح عن هذا الاجماع وهو حزب الله.
ولا تقتصر الملاحظات على دور حزب الله، بل تتعداها لتصل الى بعض القوى المشاركة بالحكم والتي تغطي دور هذا الحزب، وخصوصا في مجال حملاته المتكررة، وإستهداف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله للامارات والسعودية.
وفي المقابل، فإن الامارات تتفهم الواقع اللبناني جيداً وتعرف التركيبة الداخلية، وهي لن تضغط أكثر لأن الوضع اللبناني مهدد بالانفجار. وتبدي أوساط متابعة كل التفاؤل بعد رحلة الامارات، إذ إن الامارتيين أبدوا كل رغبة واستعداد لدعم لبنان ليتحاوز محنته.
وتؤكد الاوساط ان الدعم الاماراتي مهم جداً، ودخول الشركات الاماراتية السوق الإستثمارية في لبنان من شأنه أن يُحسّن الوضع الاقتصادي. لكن الأهم هو ان يساعد اللبنانيين لأنفسهم والقيام بالإصلاحات الضرورية.
وتشير إلى ان الدعم الخليجي بشكل عام والإماراتي بشكل خاص وإن كان إقتصادياً فإن له بالطبع أوجهاً سياسية، بدليل أن الدول الخليجية عادت إلى لبنان بعد طول مقاطعة.
ومن جهة أخرى، فإن الإنطباع السائد هو أن الإمارات والسعودية لن تتركا لبنان لقمة سائغة في فم إيران، إذ إن التواجد العربي في بيروت مهم جداً، ولن يتركوا عاصمة عربية تسقط في يد طهران. وبالتالي، فإن الدول الخليجية ستفعل كل ما بوسعها من أجل الحفاظ على هوية لبنان الثابتة وعدم السماح للنفوذ الإيراني بالتمدد أكثر وأكثر.
وعلى رغم أن الإمارات والسعودية غارقتان في حرب اليمن التي تأخذ الاولوية لديهما، إلاّ ان التأكيد هو على عدم ترك العواصم العربية تتهاوى في يد طهران، وبالتالي فإن تركيزهما هو على اكثر من ملف في المنطقة، والملف اللبناني يدخل في صلب إهتماماتهما.
 
بغض النظر عن الدعم المالي والإقتصادي الذي عاد به رئيس الحكومة سعد الحريري والوفد المرافق من الإمارات، فهل سيستطيع لبنان التوليف بين مستلزمات الموقف السياسي والواقع الاقتصادي المازوم قابل الايام كفيلة للاجابة على ذلك.