قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فجأة، سحب قواته من شمال شرق سوريا على الحدود التركية، مانحاً بهذه الخطوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضوءاً أخضر ليضرب الأكراد أعداء بلاده التاريخيين أصحاب النزعة الانفصالية، والمُصنّفين إرهابيين من قبل أنقرة مثل «داعش» تماماً، فيحقّق إردوغان بذلك حلماً تركياً منشوداً.
 

وها هو ترامب يلعب على أوتار عدّة. تارة يمدح المقاتلين الأكراد، حلفاء بلاده في الحرب ضد «داعش»، بكلام معسول لم يوجّه مثله الى مقاتلي جيش بلاده حتّى، فيَصفهم بالـ«مميّزين والمقاتلين الرائعين» مؤكداً عدم تخلّيه عنهم، وطوراً يذكّر بأهمية العلاقات التركية - الأميركية وبأنّ تركيا عدو الأكراد اللدود «شريكاً تجاريّاً كبيراً للولايات المتحدة».

ويعود ترامب من جهة أخرى ليهدّد تركيا بـ«القضاء» على اقتصادها «مجدَّداً»، إذا قامت بأي أمر يعتبره غير مناسب.

ووسط هذا الغموض والضياع الأميركي، وبينما ينشغل ترامب بالانتقادات الواسعة من قبل كبار الجمهوريين لخطوته، وبإجراءات الديمقراطيين المستمرة لعزله، خَلت الساحة لإردوغان فأطلقَ العملية العسكرية شمال شرق سوريا، وسط استهجان عالمي.

يؤكد عضو اللجنة السياسية لحزب «يكيتي» الكردستاني في سوريا حسن صالح، في حديث مع «الجمهورية»، أنّ ما حصل هو امتداد لاجتماع أنقرة بين تركيا وروسيا وإيران، «الذين تآمروا على شعبنا الكردي وأرادوا إعطاء تركيا ضوءاً أخضر لاحتلال مناطق أخرى من كردستان سوريا، هذا بالإضافة إلى تخاذل الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أنّ الكرد ضَحّوا بالدماء للدفاع عن المجتمع الدولي أمام إرهاب داعش».

ويشير صالح إلى أنّ «الوجود الكردي في هذه المناطق في خطر شديد حالياً»، معتبراً أنّ ادعاء إردوغان أنّ هدفه تطهير المنطقة من «حزب العمّال الكردستاني» غير صحيح.

ويرى أنّ «هذه الحرب مُفتعلة وهدفها ازالة الوجود القومي الكردي، سواء في كردستان سوريا أو في كردستان العراق».

ويذكّر بأنّ تركيا ادّعَت، لدى هجومها على عفرين، أنّ هدفها إخراج «حزب العمال الكردستاني» منها، ولكن بعد سيطرتها على المنطقة «يجري خطف السكان الأكراد وسلبهم وقتلهم»، لافتاً إلى أنّ نفس السيناريو يتكرّر حالياً.

ويقول: «نُناشد المجتمع الدولي للقيام بواجبه في حماية الكرد، ونناشد مجلس الأمن للقيام بمهمة إنسانية في اتخاذ قرار الحظر الجوي وحماية شعبنا». كما يدعو الجالية الكردية في أنحاء العالم لتضغط على دولها في هذا الاتجاه. ويضيف: «نحن شعب أعزل لا نعادي أحداً ونرفض العدوان».

ضغط لمَد اليد الى دمشق؟

بعدما تحقّق هدف ترامب بهزيمة «داعش» بمؤازرة سواعد «قوات سوريا الديمقراطية» (تحالف فصائل كردية وعربية وآشورية)، وبالتالي انهيار الخلافة التي أعلنها «داعش» على مناطق سيطرته في سوريا والعراق المجاور منذ العام 2014، ها هم الأكراد «مَكشوفو الظهر».

ألم يتبَقّ أمامهم سوى احتمال التحالف مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي لطالما عارضوه، والتمَسّك سبيلاً لذلك، بمبادرة روسية تجمعهم بدمشق لصَدّ العدوان التركي؟ وهل يصبح عدو الأمس دمشق، صديق اليوم بعد تعرّض «قوات سوريا الديمقراطية» «لطعنة في الظهر» من واشنطن، على حد قول قياديين فيها؟

وأمام احتمالات تَوغّل الجيش التركي إلى القامشلي وعين عيسى وتل أبيض... وغيرها من المناطق الكردية، يشير صالح إلى أنّ الايرانيين أبدوا رفضهم للتوغّل التركي شمال شرق سوريا، كما رفضته الولايات المتحدة، والعديد من الدول الأوروبية والعربية وغيرها.

ويستنتج: «إذاً، نحن نعتقد أنّ مجال العملية ومكانها وزمانها محدودة جداً أمام الأتراك»، ويستبعد أن «تسمح الولايات المتحدة لتركيا بزيادة مناطق توسّعها».

ويقول: «ستجري السيطرة على هذه العملية لمنع توغّل تركيا إلى مناطق النفوذ الأميركي المليئة بالنفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة، فلا أعتقد أنّ أميركا ستسمح لتركيا بذلك».

كما يلفت إلى أنّ المعركة «ليست متكافئة». ويضيف: «طالما هو مسموح لتركيا بأن تستخدم الطيران فلا يوجد تكافؤ في القوى، ولن تكون هناك معارك متكافئة وفعّالة».

«قسد» و«داعش»

لا تُعارض شريحة كبيرة من الأميركيين والدول الأوروبية والعربية إخلاء ترامب الساحة لاردوغان على اعتبار أنّ خطوته بمثابة تَخلٍ عن القوات الكردية وحسب، بل لأنّ هذه القوات تحتجز عشرات الآلاف من مقاتلي «داعش» وأفراد عائلاتهم، وبينهم عدد كبير من الأجانب. ويخشى المعارضون أن ينعكس انصِراف الأكراد إلى قتال القوات التركية سلباً على جهودهم في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات.

ويذكّر صالح بوجود حوالى «71 ألف شخص في مخيم الهول من بقايا «داعش»، وهؤلاء يشكلون خطراً إذا هاجمت تركيا هذه المناطق». ويلفت إلى أنّ «قوات سوريا الديمقراطية» قد تضطر، في ظل المعارك، «لأن تُخلي سبيلهم أو قد تُخلي تركيا سبيلهم لتجعلهم قنابل موقوتة ضد المنطقة والعالم، وهذا وارد جداً».

المنطقة الآمنة

ووسط هذه الفوضى، تعتزم أنقرة إنشاء «منطقة آمنة» في شمال سوريا. فأحد أهدافها المعلنة من عملية «نبع السلام»، كما سمّت الهجوم، هو إقامة شريط بعمق 30 كلم وبطول حوالى 500 كلم يمتد من الفرات إلى الحدود العراقية، ويفصل بين الحدود التركية ومواقع «وحدات حماية الشعب» الكردية. وذلك سيحقّق لها هدفين، فهي أولاً ستُبعد «خطر» المقاتلين الأكراد عنها، وثانياً ستتمكن من إعادة اللاجئين السوريين الذين فرّوا إلى تركيا منذ بدء النزاع في بلدهم، وباتَ عددهم يتخطى ثلاثة ملايين شخص، بينما تتنامى المشاعر المعادية لهم.

ويحبّذ عضو اللجنة السياسية لحزب «يكيتي» الكردستاني في سوريا إنشاء «منطقة آمنة»، لكن على أن «تكون تحت الحماية الدولية للولايات المتحدة والتحالف الدولي». ويضيف: «أمّا دخول تركيا إلى عمق الأراضي الكردية فهو مرفوض»، لافتاً إلى «سلوكها الفظيع والسلبي بحق الشعب الكردي».