إنها مرحلة تحضير الأوراق بانتظار الصفقة الكبرى في الشرق الأوسط.
 
من خلال المسار الذي تسلكه الأحداث منذ مدّة، من المعارك السياسية الجانبية والمفتعلة وصولاً إلى التحركات والاحتجاجات الشعبية التي تطالب باستقالة الحكومة. يضاف إلى هذا، المناكفات على الصلاحيات وعلى عمل الحكومة، في سياق محاولات ادخال اعراف جديدة من خارج نصوص الدستور . يتزامن هذا الحراك المحموم والحملات مع أجواء دولية ضاغطة على لبنان وبالأخص في موضوع مؤتمر سيدر، وسط أجواء تفيد أن هناك قوى لبنانية لا تريد لمؤتمر سيدر أن ينجح. ولذلك، لم يتم إنجاز الإصلاحات حتى الآن. وفي ظلّ هذا الإختناق الإقتصادي وانسداد الأفق السياسي والإنكفاء الدولي عن لبنان 
 
ووفق هذا الواقع،يعني إنّ الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي واقعٌ حيث سيكون له وظيفة سياسية. وقد تكون بداية لإنقسامات وإصطفافات جديدة سيغلب عليها الطابع الطائفي لأنّها تتعرض بشكل جدي لأركان وثيقة الوفاق الوطني هذه الانقسامات ستشكل المدخل الذي سيقود إلى احداث تغييرات على المستوى السياسي القائم حالياً، المثقل بالعجز عن مواكبة المجريات. وفي هذا السياق ستظهر الانقسامات في الحكومة الحالية وربما تكون عرضة للسقوط، الامر الذي سيزيد من حدة الإرباك السياسي والمالي والنقدي. ولأنّ تشكيل حكومة بديلة في هذه الظروف سيكون مهمّة شبه مستحيلة، وأولئك الذين يتسابقون إلى المنافع، والمصالح، يتنافسون في ميادين بسط النفوذ والسيطرة، أولئك أمّا أنّهم تبلّغوا أن لبنان الذي يبسطون هيمنتهم عليه سقط في الهاوية، وأمّا تبلّغوا ما عناهم أنّه سقط بكل ما كانه، وما كان يُميِّزه. ولأنّ الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، وفي ظل تضارب المصالح السياسية والطائفية والمذهبية، سيكون أمراً عسيراً، كما لا يمكن ذلك طالما أن العقوبات الأميركية على حزب الله مستمرة بهذا التشدد. فهناك مؤشر سلبي يتم التداول به وهو يقوم على احتمال التوجُّه إلى المزيد من المناكفات السياسية،والهدف الغير معلن هو الانقضاض على الطائف لأنّ ظروف الانهيار الشامل ستفرض ذلك، من أجل إنتاج السلطة الجديدة والقادرة على النهوض بالبلد.
 
فالناس الناقمون في الشارع سيحمّلون الطاقم السياسي القائم حالياً مسؤولية الانهيار والفساد. ويمكن التأمّل في ما يشهده العراق حالياً، من اهتزازات سياسية واقتصادية واجتماعية، تزامناً مع لبنان. ومرّة أخرى، يبدو لبنان والعراق وكأنهما في المرآة، الواحد قبالة الآخر. فما يجري في أحدهما يكون نسخة طبق الأصل عمّا يجري في الآخر. والتشابك في العناصر بينهما معروف منذ الثورة الإسلامية. الذين يتداولون بسيناريو التغيير اللبناني يقولون إنّ ظروفه الداخلية تتكامل، وإنّها ستبلغ اللحظة الحاسمة عندما يبلغ الجميع حال العجز عن معالجة الأزمة. ويعتقدون أنّ محاولات العلاج اليوم ليست سوى حقنة مخدّر لن يدوم مفعولها طويلاً، خصوصاً على الصعيد المالي النقدي.
 
لبنان اليوم جزء من أزمة المنطقة كلها. وأي تقدّم في الحوار الأميركي الإيراني، أو الإيراني السعودي، سيؤدي إلى إراحة الأجواء فيه. وأي تصعيد سينعكس عليه. ومعروف أن ملف ترسيم الحدود الجنوبية والتنقيب عن النفط، يرتبط حصراً بالحوار الأميركي الإيراني. خصوصاً، أن طهران لا تريد تقديم أي ورقة حالياً قد يستفيد منها ترامب انتخابياً، إلا بحال رفع العقوبات. وهنا، تؤكد المعلومات أن ملف النفط في لبنان وترسيم الحدود يرتبط بكل ملفات المنطقة، وبالإصلاحات وبمؤتمر سيدر. وهذا يعني أن الجميع، ينظر إلى المرحلة على أنها مرحلة تحضير الأوراق بانتظار الصفقة الكبرى  في الشرق الأوسط. والنظام الجديد هو الذي سيرعى دخول لبنان في قلب هذه التحوُّلات. 
 
خلاصة الامر،ان هذه التحولات لا توفّر فرصة للانقلاب على الطائف. والشكل الجديد سيكون أقرب إلى تطبيق الطائف وتنفيذ بنوده العالقة حتى اليوم، خصوصاً لجهة إلغاء الطائفية وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وتشكيل مجلس للشيوخ متوازن طائفياً ومذهبياً، ويمثّل كل الشرائح بدقة، وتكون مهمته حسم المسائل الميثاقية الكبرى. وهو سيمنح الجميع طمأنينة إلى عدالة حضورهم الميثاقي والشراكة في النظام.وفي غير هذه الصيغة سنكون حتماً نسلك مساراً سيؤدي حتما الى الهاوية .