بين العقوبات الأميركية والضغوط الدولية التي تستهدف «حزب الله» نظرياً وتُصيب لبنان عملياً، وبين الأصوات الداخلية التي تعتبر أنّ الأزمة سياسية وليست اقتصادية - مالية، وبالتالي حلّها سياسي برفع يد «الحزب» وإيران عن الحكومة والدولة، يتمسّك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بموقفهما الرافض سحب الغطاء عن حليف «تفاهم مار مخايل»، مهما اشتدّت الضغوط وتعدّدت اتجاهاتها.
 

موقف مؤسس «التيار» العماد عون ورئيسه الحالي الوزير باسيل واحد من «حزب الله»، في الداخل والخارج، وعلى طاولة مجلس الوزراء وفي الولايات المتحدة الأميركية والمحافل الدولية كلّها. موقف تعتبر قوى سياسية عدّة أنّه يُشكّل تحدياً للخارج ويُعرّض لبنان لمخاطر كثيرة، في وقتٍ يحتاج البلد إلى المساعدات الدولية. نقمة القوى هذه، المُشاركة منها في الحكومة أو المعارضة، تنتشر بين قواعد شعبية عدة، ما عادت تتحمّل الظروف الاقتصادية الصعبة أو السيناريوهات الأسوأ، وترغب في عودة «الدولار الخليجي والغربي» الى لبنان.

تعتبر قوى سياسية عدة أنّ عون وباسيل يضعان كلّ أوراقهما لدى «الحزب»، مهما كان ثمن هذه الأوراق على لبنان، في سبيل تأمين كرسي بعبدا لصهر الرئيس. معادلة «يسخر» منها قريبون من باسيل، إذ إنّ «من يعمل وفق منطلق الوصول الى الرئاسة، لا يفتح جبهات ويعادي 90 في المئة من الطبقة السياسية في لبنان، وبدلاً من تأمين إجماع عليه يفتح معارك في الفساد والموازنة والصلاحيات والمناصفة والتعيينات الإدارية والورقة الاقتصادية والسياسات المالية...». أمّا احتضان عون وباسيل لـ«حزب الله»، فنابع من اقتناع لن تزحزحه أيّ ضغوط.

يسير باسيل على خطى عون، ويتبنى قول الرئيس: «مئة مرة ضغوط وحروب خارجية ولا مرة حرب أهلية». لذلك، تنطلق الممارسة العونية - الباسيلية من اقتناع بأنّ اللبنانيين جميعاً يعيشون ضمن جغرافيا واحدة، تجمعها نقاط قوة وضعف، نقاط اتفاق واختلاف، لكن لا يُمكن لأيّ فئة ضمن هذه الجغرافيا أن تعزل نفسها أو تظن أنّها محمية أو محصّنة. ويعتقد الرجلان أنّ الوطن مثل جسد الإنسان، يمكنه تحمّل حرارة الضغوط الخارجية، لكنه لا يتحمّل الحرارة الداخلية، أي اختلال الجسم اللبناني ومناعته من الداخل.

اقتناع باسيل لهذه الناحية ثابت، ويقول قريبون منه: «نسافر الى الولايات المتحدة مع معرفتنا المسبقة أنهم لن يهللوا لنا ولن يسارع ترامب الى استقبالنا في المطارات. وهذا لا يغيّر في اقتناعاتنا. سنظلّ نقول إننا نريد أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة. وسنستمر بالمحاولة وزيارة الدول الغربية وشرح وجهة نظرنا. ولن يأتي وقت نقول فيه، إن الجهة التي تشكّل ثلث الشعب اللبناني من حيث القدرة التمثيلية، إرهابية أو نرفع الغطاء عنها».

ويعتبر رئيس أكبر كتلتين نيابية ووزارية أنه كجهة سياسية وبصرف النظرعن تحالفه مع الحزب، يُشارك في الحكومة وفق الأسس نفسها التي يشارك فيها بقية الأفرقاء، من رئيس الحكومة الى «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي». ولا يقبل أن يعطي أحد «التيار» دروساً بأنه يحتضن «حزب الله» ويعطيه شرعية أو غطاء مسيحياً، فيما أصحاب هذا الكلام يجلسون مع «التيار» و»الحزب» في مجلس الوزراء، ووافقوا على البيان الوزاري للحكومة، ويتفاخرون ويتباهون بأنهم يتماهون مع «حزب الله» في النظرة نفسها لمكافحة الفساد».

ويردّ القريبون من باسيل على قول منتقديه إنه يغطي «الحزب» ويعرّض لبنان للخطر من خلال مواقفه وتصريحاته، خصوصاً خارج لبنان، وبصفته وزيراً للخارجية، بالقول «إنّنا ملتزمون البيان الوزاري للحكومة، ونحن نمارس «النأي بالنفس» بمعناه الحقيقي، فلا نندّد لا بالسعودية ولا بإيران، ونحاول قدرالمستطاع أن نحيّد لبنان في سياستنا الخارجية عن الصراعات الإقليمية». ويسألون: «ماذا يفعل الآخرون؟ يُصدرون بيانات التنديد؟ ماذا تغيّر هذه البيانات في واقع الحال؟».

ويرى البعض أنّ «التنديد» بمواقف «حزب الله» أو «التبرؤ» منه، يُساهم في تحييد لبنان عن العقوبات الخارجية وفي نيل المساعدات من الدول المناهضة لـ«الحزب»، من مُنطلق أنّه ضليع في صراعات المنطقة وحروبها. فيردّ قريبون من باسيل: «ينددون وتستمر مشاركتهم في الحكومة. هذه اقتناعاتهم، لا نخوّنهم، لكن لا نقبل في المقابل تخويننا». ويشيرون الى قول عون في مؤتمر صحافي قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية، إنّ «التوغل في حروب المنطقة لا نوافق عليه، لكن هذا لا يلغي تحالفنا مع الحزب، ليؤدّي الى تحويله شيطاناً في الداخل وافتعال مشكلة معه».

كذلك، تنطلق مقاربة باسيل للواقع من أنّ السلم والاستقرار الداخليين هما ضمانة البلد، حتى «لو زعل العالم كلّه». ولن تدفع الإغراءات أو الضغوط رئيس التيار الى المخاطرة بالاستقرار، فهو لا يشعر بـ»خيانة الذات». ويقول القريبون منه: «لا نخجل من التعبير عن اتفاقنا أو اختلافنا مع «حزب الله» في الداخل حسب الملفات، لكن في الثوابت لا نشعر أننا نخون أنفسنا وعلينا أن نبرر مثل غيرنا مشاركتنا في الحكومة بأننا موجودون بقوة الأمر الواقع». ويرون أنّ «من يشعر أنه يخون نفسه واقتناعاته من المُفترض أن يتحرّر من هذه الخيانة».

على رغم اقتناع باسيل «الراسخ»، فإنّ «التيار الوطني» مع أيّ إجماع لبناني حول «حزب الله»، لكنه يعتبر أنه إذا لم يكن هناك إجماع مثلما هو الواقع الراهن، يحق لكلّ طرف أن يمارس قناعاته في هذا الإطار. وإذ يؤّكد القريبون من باسيل «أننا مع ما يُجمع عليه اللبنانيون»، يسألون: «هل هناك إجماع على عزل «حزب الله» وتأليف حكومة من دونه أو على محاربته؟ لماذا سنكون نحن في موقع الاتهام والدفاع عن النفس ولا يُسأل الآخرون؟».

ويشيرون إلى أنّ «في لبنان انتخابات واستحقاقات نيابية ورئاسية. لا أحد يمارس الديكتاتورية، ونخضع جميعاً لآلية إنتاج السلطة، والأكثرية النيابية الحالية أفرزتها الانتخابات الأخيرة، ربما في الانتخابات المقبلة تتغيّر الأكثرية وتأتي بحكم آخر يعتمد مقاربات أخرى».