سيبقى وضع العراق مرهونًا بالفساد والمحاصصة، وإن سكنت هذه الاحتجاجات فترة لكنّها بلا قدرة على تغيير النظام الإداري والحكومي، فسيبقى هذا النظام فاقدًا للإستقرار وإن تنعم بالغنائم لأنّه عاجز عن توفير مستلزمات الحياة الكريمة لمجتمع طحنته الحروب والأزمات.
 
بني النظام السياسي الجديد في العراق على المحاصصة المذهبيّة والعرقيّة والمناطقيّة والسياسيّة، إذ تمكّن المتحاصصون من تثبيت أوضاعهم وترسيخها حتى تشعبت هذه المحاصصة في كلّ مفاصل الدولة، فبات من الصعب التخلي عنها، لأنّها أصبحت جزءًا من شخصيّة النظام، مع العلم أنّها توافقيّة لا دستوريّة. 
 
ويقول الدكتور مهنّد جمال الدين أنّ المحاصصة في العراق هي عبارة عن تقاسم حصص من دون تقديم الجانب المضيء لما يتطلّب من الحكوميّين والإداريّين تقديمه مقابل ما يحصلون عليه من امتيازات، مُشيرًا إلى أنّ "ما زاد في الطين بلّة أنّ العراق قد تعرّض في السنوات القريبة السابقة إلى هجمة شرسة كادت تفتك بكيان اسمه (الدولة) حينما سقطت المدن الغربيّة بيد داعش، الأمر الذي دعا المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف إلى إصدار فتوى الجهاد الكفائي والتي لبّى لها شباب المحافظات الجنوبيّة والوسطى، فارزةً جيشًا عقائديًّا من المتطوعين، أطلق عليه (الحشد الشعبي) ، الذي تمكن مع القوات الأمنيّة من دحر الغاصبين وطردهم وإرجاع المدن إلى الوطن.
 
وتابع:" إلّا أنّ الحشد هذا أصبح جزءًا من نظام المحاصصة الجديد كونه دخل في الانتخابات السابقة وغدا واحدًا من الكتل الكبيرة، الأمر الذي عقد الموقف، فالإصلاح بحاجة إلى تضحيات كبيرة تقودها  الكيانات والكتل الكبيرة الي تقاسمت السلطة في البلد، وأظنُّ أنَّ هذه الكتل بعيدة عن تلك التضحيات".
 
وفي حديثٍ للبنان الجديد، قال جمال الدين:" المشكلة الرئيسة في البلد هو وجود ثروة جيّدة ولكنّ من دون أن تُحقّق هذه الثروة السبل الموازية للعيش الكريم لفئة كبيرة من قطاعات الشباب وغير الشباب ولاسيّما الخريجين الذين يرون اقرانهم يتمتّعون بشهاداتهم ووظائفهم وهم عاطلون عن العمل، بالإضافة إلى سوء إدارة البلاد وعدم توفير الخدمات من الكهرباء والماء وتعبيد الشوارع وسرقة الأموال التي توفّرها المشاريع الوهميّة وتراكم الأوساخ وكثرة الأمراض وقلّة المشافي، والبيرقراطيّة بوصفها روتينًا مُهينًا في الدوائر الذي يدفع بالمراجعين إلى التذمر وكره النظام".
 
وأكّد جمال الدين التظاهرات أنّ جميع هذه الأسباب أدّت إلى اشتعال المظاهرات المطالبة بالحقوق والخدمات وتوفير فرص العمل.
 
وأضاف:"غير ان الوضع في العراق ليس بريئاً ، فمن يطالب بحقه سرعان ما يخسر حقه، وذلك حينما تشوه طلبه تصرفات غريبة تحاول زحزحة المظاهرة إلى مطالب سياسيّة،  فتلجأ  إلى عمليّات التخريب والحرق وضرب القوات الأمنيّة التي لا تمسك زمام صبرها مما يدفعها إلى ردّة  فعل عنيفة وغير منضبطة، الأمر الذي لا يتفاعل الجميع مع هكذا أحداث لخوفهم من النتائج المستقبليّة، التي قد ينزلق إليها البلد".
 
وعن النتائج المتوقعة للاحتجاجات، أجاب:"هناك شريحة كبيرة من المجتمع العراقي مؤمنة بفساد النظام الحكومي، برلمانا وحكومة ومجالس محافظات ومسؤولين، ولكنّها تخاف من هذا الرعب القادم القاتم، ولذلك لا تتفاعل كثيرًا مع هذه المظاهرات وإن كانت على حقّ، ولذا ستظلّ هذه المظاهرات إذا بقيت بهذ الشكل عاجزة عن تحقيق أهدافها والتي من المفروض أن يكون أهمّها الإداري والحكومي". 
 
 
 
وبيّن جمال الدين أنّ "عدم وضوح الرؤية وعدم تحديد الأهداف وعدم وجود القيادة هو الذي جعلها عاجزة عن تحقيق شيء يُذكر أمّا البلاد فستظلّ مُفتقرة إلى إدارة حقيقيّة من قبل نظام حكومي أوّ برلماني مادام هذا النظام رهينًا لنظام المحاصصة المقيتة".
 
وفي الخلاصة، سيبقى وضع العراق مرهونًا بالفساد والمحاصصة، وإن سكنت هذه الاحتجاجات فترة لكنّها بلا قدرة على تغيير النظام الإداري والحكومي، فسيبقى هذا النظام فاقدًا للإستقرار وإن تنعم بالغنائم لأنّه عاجز عن توفير مستلزمات الحياة الكريمة لمجتمع طحنته الحروب والأزمات.
 
يذكر أنّ العراق يحتلّ المركز 12 في قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم، حسب منظمة شفافيّة دوليّة.
 
وتُعدّ هذه المظاهرات هي أكبر احتجاج ضدّ الحكومة منذ تشرين الأوّل 2018.