خالد العزي
 
تكمن المفارقة الروسية في تعاطيها مع الحل السياسي للملف السوري بحذر، كون الازمة باتت تدفع  فيها اثمان عالية منذ وجودها على الحلبة السورية ، فهي لم تستطع تحقيق اي انتصار سياسي وتوظيفه في مسار العملية العسكرية الذي سلكته منذ احتلالها في ايلول عام 2015 حتى ايلول 2019 لبلورة مخرج سياسي عادل لتحقيق الامن والسلام في سوريا وتحقيق مصالحها.
وبالرغم من الخسائر العسكرية التي امتنعت روسيا  كثيرا  من الاعلان عنها ، وابقائها غامضة في الوسط الاعلامي، بحيث يتم الكشف عنها بالصدفة من قبل الاعلام المعارض في روسيا ، مما يدفع بالنظام  الى التهرب منها او اسنادها للمرتزقة التي تجندهم الشركات الامنية الخاصة، وهؤلاء القادمون من روسيا والدول المجاورة تؤمن لهم عقود مالية يصعب الحصول عليها في بلادهم ، وفي طليعة هذه الشركات الامنية " ، شركة  "فنغر"  والشباب "الذين يعملون مباشرة مع الكرملين في التجنيد لخدمة الاهداف الروسية.
فالأعداد كثيرة للجنود والضباط  الذين يسقطون في المعارك السورية المستمرة  ، لكن حادثة انفجار مخزن الذخيرة الاخير في منطقة ريف حماة بتاريخ 26 ايلول \ سبتمبر 2019 ، والذي ذهب ضحيتها جنرال روسي كبير بالاضافة الى ضابط و18 جندي .
نقلا عن راديو غوفوريت موسكفا" (موسكو تتحدث) الروسية، بان مقتل الجنرال الروسي وكبير المستشارين العسكريين الروس في سوريا  فاليري أسابوف في سوريا قد يكون ناتجا عن خيانة، هذه العملية قد شكلت ضربة قاسية للنظام وللطموح الروسي في الحسم العسكري ، وعدم القدرة عن اخفاء المعلومات لجهة الخسائر.
 فهذه الحادثة  وظفها الرئيس فلاديمير بوتين اثناء خطابه في ملتقى الحوارات الدولية للسياسات الخارجية "فالداي" في 3 تشرين الاول، حيث اعلن موقفا سياسا واضحا بإنهاء الاعمال العسكرية في مناطق الشمال السوري، وقال بان "روسيا تعمل على وقف اطلاق النار من جانب واحد وتطلق حركة الحوار السياسي لحل الازمة ".
لكن بوتين يبدو واثقا في خطابه بان الحل العسكري اضحى غير مجدي ويستشهد بالأزمة السورية حيث الدفعُ باتجاه الحل بين خطوط جيوسياسية بالغة التعقيد. 
بالطبع لا، ليس حسن نية منه  في التعامل  مع الحل العسكري ، بل هو فشل الحل العسكري الذي بات يضعهم في  اماكن اخرى هم غير مهيئين لها ولا لدفع اثمانها، فان فشل الحل العسكري في سورية  بسبب التوجهات الروسية التي كانت تصر على سحق المعارضة باقل من ايام .
ان الاستعراضات النارية العسكرية وتجربة السلاح والتباهي بتجاربهم النارية  لم تساهم بعقود  سلاح جديدة  مع العالم العربي  و كما ان المواجهة المباشرة مع المقاتلين العرب تذكرهم دائما بمعارك جلال اباد (افغانستان ) مع المتطوعين  العرب الذي كان لهم الفضل في افشال الحل العسكري الروسي، والذي يعتبر من اسباب هزيمة الجيش الاحمر في افغانستان ، فالروس ابتعدوا عن المواجهة  واعادوا السيطرة على المناطق من خلال الاتفاقات والمصالحات والحصارات والكيماوي وسلاح الطيران.
ربما معركة تلة كبانة في الساحل السوري شاهد على القدرات السورية العالية ، والتي لاتزال هذه الثلة حجر عثرة بوجه قاعدة "حميميم" الممنوعة من الامان . 
فإذا كان الروس يحاولون بكل الاشكال ايجاد حل خاص لسورية على طريقتهم من خلال الثلاثي المقدس في الحل بواسطة القتل، والبطش ، الا ان ذلك بات متعذرا ومكلفا ، وربما التنسيق الاخير في استانا "نور سلطان الحالية "  الذي اتيح لروسيا  فتح طريق ادلب حلب وتركيا -اللاذقية بإسقاط خان شيخون وتركيا- ادلب ،حيث بات معروفا بان هناك صفقة بين الروس والاتراك بمشاركة ايرانية حول تمادي الاتراك في شرق الفرات مقابل تمادي الروس في منطقة ادلب . 
فالتناغم التركي - الروسي ، حول المقايضة كان موجودا ، ومازال منذ تسهيل احتلال حلب الشرقية من قبل الأتراك الى احتلال خان شيخون "من اجل اطلاق يد تركيا  في مناطق الاكراد لاعتبارها قضية امن قومي ، روسيا كانت تتجاوب مع الطروحات التركية التي تحاول من خلالها كسب ودهم و زرع الخلاف مع  الامريكان.
لم يكن الترحيب الروسي باندماج الفصائل السورية الموالية لتركيا،  بتاريخ 5 تشرين الحالي  مجرد بادرة طيبة ،  بل موسكو ترى ان مهمة هذه الفصائل تكمن في تصفية جبهة النصرة التي اخذت تركيا على عاتقها تفكيكها بحال سمح لها التوغل في مناطق الاكراد في شرق الفرات .
 الروس وافقوا سابقا على تدخل تركيا في "جرابلس وعفرين "، بينما كان الامريكان لا يحبذون ذلك، ومع التغييرات الجديدة التي باتت معالمها واضحة في السماح لتركيا التوغل في مناطق الفرات، والقضاء على حزب العمال الكردي عسكريا مقابل النصرة في ادلب" ، وبذلك تكون تركيا حققت مكاسبها القومية على حساب بقاء نفوذها في سوريا .
روسيا التي  لم تصدر أي تصريح بخصوص التوغل التركي في مناطق الاكراد  بل موافقة ضمنية ، طالما ان  الاكراد بعيدون عن الحلف الروسي الايراني،  وفشلوا في اعادتهم لأحضان النظام ،و كون الاكراد ضمن الحماية الامريكية، والروس يعتبرون الوجود الامريكي عائق في سيطرتهم على سوريا الاقتصادية ، لان  روسيا  تحبذ بان يمارسوا  الاكراد  التفاوض مع نظام الاسد كما حاولت تسويق  مبادرتها السابقة القائمة على انخراطهم  مع  النظام ضمن توجهاتها الخاصة"، او "مواجهة المصير المجهول بمواجهة الحليف التركي".   
فتصريح الكرملين حول الانسحاب الامريكي من الشمال اقتصر على دعوة  كل القوات الاجنبية  الخروج من سورية ، اما بخصوص التدخل التركي فاكدوا فقط على اهمية الحفاظ على وحدة  الاراضي  السورية التي تشاطرهم تركيا هذا التصور . 
فهل يمكن أن تكون الأزمة السورية ضارة نافعة أمام تولد أزمات العالم، أم أن تفاعلا عكسيا ما يزال يتربص بهذا البلد أمام تفاقم الوضع في الخليج.
ان الحل الذي يحاول الروس فرضه من خلال دبلوماسيتهم الجديدة القائمة على التوحش والتوغل في مناطق الشرق الاوسط بحجة تعبئة الفراغ الذي تركته امريكا .
فإعادة اعتبارها الجيو-سياسي من خلال حربها في سوريا الذي امن لها انبعاث من جديد كما تدعي وتوهم الجميع ، لكن المشكلة بان روسيا تحاول ان تسترضي امريكا لكي توافق على منحها أي امتيازات قادمة في المنطقة من خلال كسب ود اسرائيل بالدرجة الاولى وتأمين حمايتها  .
فالحل الذي تطرحه روسيا للازمة السورية بعد تحطيم كل الاجسام المعارضة التي تشكلت قوة في مواجهة النظام لذا تحاول اليوم من خلال اللجنة الدستورية شراء الوقت سياسيا من اجل الحصول على دعم دولي مالي يساعدها بان تكون راس حربة من خلال الشركات المالية  التي تدعوها لاعمار سوريا لحل مشكلتها الاقتصادية التي باتت تعاني منها بشكل فاقع .
اما النقطة الثانية والتي تحاول روسيا الترويج لها هي عملية تنظيف سجل الاسد من خلال القبض على الفاسدين في النظام السوري ومصادرة اموالهم ومشاركة الاعلام بالدعاية لهذه المواقف ، بالوقت التي اعترضت في روسيا على طريقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما قام بهذه الخطوة سابقا، و عادت و اعتبرتها خطوة مهمة جدا في استخدام شائعات في الاعلام السوري والعالمي.
 ان الأسد يحاول اجراء اصلاحات حقيقية في النظام مما يساعد على تقطيع الوقت المطلوب واعادة طرح اسم الاسد كحل للدولة السورية الموحدة  .
فهل سيتمكن الروس من تنفيذ استراتيجيتهم ؟  واقناع الاخرين بوجهة نظرهم؟ 
ربما من الصعب جدا الوثوق بروسيا عالميا ، وخير دليل على ذلك هي الشروط الاربعة الذي اطلقها  الرئيس الفرنسي ماكرون بالنسبة لقبول الانتخابات القادمة في سوريا.
لننتظر تطور الأحداث القادمة، والتي باتت سلسلة كحلقة الأولمبياد كل سلسة بلون ولكنها متشابكة مع بعضها البعض، وكيف ستكون تصرفات الادارة الامريكية وانعكاسات التدخل في شرق الفرات والثورة الشبابية العراقية التي ستعكس نفسها على روسيا وحليفها الايراني في المنطقة.