وفي السياسة أيضا همجٌ رعاع!!
 
 قد تكون هذه التسمية لاذعة، منسوبة إلى أمير الكلام الإمام علي (ع)، حيث صنَّف الناس إلى ثلاثة أصنافٍ، عندما خاطب "كميلاً" باعتبار أن "كُميلاً" هو واحد من أتباعه وشيعته، هذا يعني أنَّ الخطاب ليس فقط لشخص كميل، بل هو خطاب لكل فردٍ من أتباعه وشيعته،وهذا نص الكلام: "يا كميل، إنَّ هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقوله لك: الناس ثلاثة، فعالمٌ ربَّاني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعَاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لا يستضيئون بنور العلم، فيهتدوا، ولم يلجئوا إلى ركنٍ وثيق، فينجوا.."
 
 في الواقع كثيراً نردد هذا الحديث في محافلنا ومجالسنا ومناسباتنا الدينية، والمواعظ المنبرية لا تخلوا من هذا الكلام، إستوقفني كثيراً بحيث يصدر عن إمام معصوم يتحدَّث بهذا الكلام والوصف اللاذع والمهين لكثيرٍ من البشر، لكن جوجلت الفكرة حول هذه الأوصاف فوجدت لهذه الكلمات معاني كثيرة، فكلمة ربَّاني، ذكرها القرآن الكريم تارةً بفتح "الراء"كما في الآية 44 من سورة المائدة، "إنَّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيُّون الذين أسلموا للذين هادوا والرَّبَّانيُّون والأحبار."
 
 وفي نفس السورة أية 63"لولا ينهاهم الرَّبَّانيُّون والأحبار عن قولهم.." ووردت أيضاً بكسر "الراء" في سورة آل عمران آية 146/148/....وكأيِّن من نبيٍّ قاتل معه رِبِّيون كثير.." فكلمة ربَّاني سواء بفتح الراء أو كسرها، هي بمعنى "المُعَلِّم" يعني الأستاذ أو الفقيه أو المرجع، العالم المُعلِّم الذي يعلم الناس ويرشدهم وينصحهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، وأما المتعلِّم على سبيل نجاة فهو الذي يبحث ويفتِّش عن نجاته، ليبصر أمامه حتى لا يكون من هوام الأرض من الذين لا همَّ لهم إلا الأكل والنكح والنوم. والقسم الثالث وهو مربط الفرس، الهمج الرَعَاع، إن كان المقصود من كلام الأمير (ع) هم الحمقى والحمقاء من الذين لا يميزون بين العلم عن الجهل، ويريدون أن ينفعوك فيضروك، ويهتفون ويصرخون فقط من أجل الهتاف والصراخ ولا يعرفون لماذا يهتفون ويصرخون، الذين ينعقون مع كل ناعق، نعم هؤلاء من السبابين والشتامين بمجرد أن يقول لهم ناعقهم فلانٌ فاسق كافر عميل منحرف كذاب وسرَّاق تراهم ينعقون معه لأنهم بلا عقول يدركون ما يجري حولهم، كما قال ناعقهم "أبو الشمقمق" هلموا إلينا أيها الناس لنحدِّثكم عن رسول الله وعن أئمة الله، وما أكثرهم لسماع الحديث، من يصل لسانه إلى أرنبة أنفه فله قصرٌ في الجنة، وما أكثر من يخرج لسانه ويدليه ويمسكه بأصابعه ويشدُّه حتى يصبح فزّأعة لخلق الله، ويُباهي به الآخر بأنَّ لسانه أطول من لسان أخيه، وبالتالي فقصره في الجنة أكبر من قصره. وإن كان المقصود من كلام الأمير (ع) من أنَّ الهمج هم البعوض فالمصيبة أعظم، لأنَّ البعوض سيء التصرف في العيش والحياة، لا همَّ له إلاَّ الفوضى والعبث ولا تحلو له الحياة إلاَّ بالخراب والعيش بالأوساخ والقُمامة، ولا يسقط على الجسم إلاَّ بعد أن ينذل ويُذل على نفسه بطنينه وصفيره، حقيرٌ في أكله، وهكذا هم الحمقى والجهلة أصحاب المنافع السياسية الضيقة، همهم علفهم ومص الدم، ولا يبتغون إلا هذه الطرق والسُبُل بين الطنين والصراخ والضجيج، ولا يعرفون إلا الفوضى العارمة، فالبعوض هو خفيف في وصوله ووطأته، لكنه لاذع وثقيل في لذعته، وما أكثرهم يصلون بخفة، ويمتصون  دمائكم وحياتكم ويتربعون على كراسي السلطة بثقلٍ ثقيلٍ على أكتافكم وتعبكم وجهدكم، هكذا وصفكم أمير المؤمنين (ع)، لا تهنؤن إلا بالفوضى، ولا تعيشون إلا بالضجيج، وتنعقون مع كل ناعق، وتميلون مع كل ريح.