انقسام شيعي حول الانتفاضة: مطالب محقة أم مؤامرة إسرائيلية.
 
ضاعفت المرجعية الدينية في النجف من الضغوط على رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي حين حملت حكومته المسؤولية عن تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي قاد إلى احتجاجات واسعة باتت تهدد بقاء المنظومة التي أفرزتها العملية السياسية لما بعد غزو 2003، الأمر الذي قد يشجع على تحميله المسؤولية وجعله كبش الفداء لإنقاذ العملية السياسية ككل.
 
وفيما اعترفت المرجعية بمشروعية المطالب المرفوعة في الشارع وحثت على التعاطي معها بإيجابية وسرعة، فإن الأحزاب الدينية الشيعية والإعلام الموالي لإيران يستمران في اتهام إسرائيل والولايات المتحدة بتحريك هذه الاحتجاجات، وأن المتظاهرين ينفذون “مؤامرة خارجية” تحت عنوان المطالب المشروعة.
 
ودعت المرجعية الدينية الحكومة والبرلمان الجمعة إلى تحمّل المسؤوليات والاستجابة لمطالب المتظاهرين، وحذرت من توسع الحركة الاحتجاجية التي ستمثل الامتحان الأول لحكومة عادل عبدالمهدي الذي تسلم السلطة قبل نحو عام وطالب مساء الأربعاء بمنحه المزيد من الوقت.
 
وعبر بيان لاحق صادر عن رئيس الحكومة عن الالتزام بمطالب المرجعية ضمن جدول زمني واضح وصولا إلى تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
 
وتطالب الحركة الاحتجاجية التي انطلقت الثلاثاء في بغداد قبل توسعها إلى مدن عدة في جنوب البلاد، بتأمين وظائف للشباب ورحيل المسؤولين “الفاسدين”.
 
وقال أحمد الصافي في خطبة الجمعة في كربلاء، وهو ممثل المرجع علي السيستاني، “على الحكومة أن تغير نهجها في التعامل مع مشاكل البلد” وعليها “تدارك الأمور قبل فوات الأوان”.
 
وأضاف الصافي أنّه يتوجب على الحكومة “تحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل والابتعاد عن المحسوبيات في الوظائف العامة واستكمال ملفات المتهمين بالتلاعب بالأموال العامة وسوقهم إلى العدالة”.
 
 
ولأول مرة تحرج المرجعية القضاء بوضوح في خطبتها، وقالت إنه لم يقم بخطوات كافية لمحاربة الفساد، في ظل الحديث عن تواطؤ أطراف قضائية في حماية جهات سياسية فاسدة.
 
وندد ممثل المرجعية بـ”اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الأمنية” حيث وصل عدد ضحايا الاحتجاجات إلى خمسين قتيلا حسب آخر إحصائية للمرصد العراقي لحقوق الإنسان.
 
ويقول المتظاهرون إن على الحكومة، التي تحدثت عن “مندسين” يحرفون مسار الاحتجاج، أن تتولى تنظيف صفوف قوات مكافحة الشغب من المندسين، مؤكدين أن المندسين الحقيقيين موجودون داخل أجهزة الأمن، وأنهم يحاولون جر المتظاهرين إلى العنف، من خلال الاعتداء عليهم واستخدام العنف المفرط والرصاص الحي ضدهم.
 
ويضع موقف المرجعية، الذي يعلن تفهمه لمطالب المحتجين، الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق ومواقف إيران بشأن الانتفاضة، في صدام مع الشارع، خاصة بعد أن تم وصف هذه الانتفاضة بأنها مؤامرة تقف وراءها إسرائيل والولايات المتحدة، وهو أسلوب لم يعد مفيدا بعد أن خبر العراقيون هذه الشعارات طويلا.
 
وفي ظل تقاذف غير مباشر للمسؤولية، بين الحكومة والبرلمان، فإن الاحتجاجات قد تقود إلى هزة عنيفة؛ إما إسقاط الحكومة التي عجزت خلال عام من توليها عن تجاوز مرحلة إبداء حسن النوايا، وإما إسقاط البرلمان برمته.
 
ويعتقد مراقبون عراقيون أن سقوط البرلمان سيفتح الباب على تداعيات كبيرة، لكن سقوط الحكومة يمكن معالجته بحكومة أخرى جديدة عبر المحاصصة.
 
وترى الحكومة أن البرلمان قيد حركتها، وورطها في صراعات سياسية وعطل استكمال الكابينة الوزارية وفرض وزراء حزبيين غير أكفاء عليها، بينما يرى البرلمان أن الحكومة بطيئة في تحركها، وأن عبدالمهدي لا يستطيع مجاراة الأحداث.
 
ويشتكي عبدالمهدي من أن الكتل التي شكلت الحكومة تعيق عملها، بدلالة مطالبة رئيس الوزراء علنا بمنحه صلاحيات من البرلمان، لكنه لم يحصل على ذلك وظل تحت هيمنة الكتل النافذة التي تسيطر على قرار الحكومة وأداء وزرائها.
 
وإذا اتسع نطاق الاحتجاجات فليس من الواضح ما هي الخيارات التي تملكها الحكومة. ولم يُذكر شيء حتى الآن عن تعديلات وزارية أو استقالات.
 
وتشير مصادر عراقية إلى إمكانية التضحية برئيس الحكومة عبر إجباره على تقديم استقالته، لامتصاص غضب المتظاهرين وإنقاذ منظومة العملية السياسية.
 
وعقد رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي اجتماعا خاصا، لتسريع الإجراءات، وسط تنبؤات بعدم توفر النصاب الذي يسمح بعقد جلسة مجلس النواب المقررة لليوم السبت، بعد تعليق نواب “سائرون” المحسوبين على مقتدى الصدر و”المحور الوطني” الذي يتزعمه خميس الخنجر، عضويتهم، إضافة إلى نائب رئيس المجلس حسن الكعبي.
 
وتقول أوساط سياسية عراقية إنه إذا التحق نواب حيدر العبادي وعمار الحكيم بدعوة الصدر إلى مقاطعة الجلسات، فقد تضرب شرعية البرلمان، وأن على المتظاهرين أن يواصلوا الاحتجاج السلمي للضغط على هذه القوى كي تصغي للمرجعية.
 
ويعطي تعليق بعض النواب العضوية في البرلمان ومقاطعة جلسة اليوم إيحاء للعراقيين بأننا معكم، في محاولة لاستعادة الثقة التي اهتزت فيهم تماما. لكن غضب المحتجين شامل على الحكومة وأعضاء البرلمان والأحزاب السياسية، بدليل حرق مقرات حزب الدعوة وتيار الحكمة.
 
ولا يزال حظر التجوال المعلن منذ الخميس، ساريا في بغداد وعدد من محافظات الجنوب، لكن المتظاهرين تحدوا القرار ورفضوا الانصياع له.
 
وتجددت التظاهرات عصر الجمعة في بغداد وعدد من المحافظات، فيما كررت الشرطة إجراءاتها القاسية ضدهم، حد استهدافهم بالرصاص الحي.
 
وحاول المتظاهرون الوصول إلى ساحة التحرير، وسط العاصمة، لكن الانتشار الأمني الكثيف جدا في محيطها، منعهم من ذلك.