لن يصدّق مقتدى الصدر بأنه لم يعد رقما صعبا في المعادلة السياسية؛ فما لم يتمكن من إنجازه خصومه السياسيون، استطاع الشباب المحتجون من الوصول إليه بتلقائية لا يمكن توقعها.
 

لطالما تبجح مقتدى الصدر بشعبيته ووطنيته وتبنيه أحلام الفقراء. كل ذلك صار في ليلة وضحاها من الماضي.

فرجل الدين الشيعي الشاب سبقته الأحداث حين امتلأت شوارع المدن العراقية وساحاتها بالمحتجين الشباب من غير أن يكون له صوت يُسمع.

كانت صورته وهو يتوسط خامنئي وسليماني في طهران قد خيبت آمال الكثير من أتباعه والمعجبين به. لقد صدمهم أن يظهر باعتباره إيرانيّ الولاء.

يومها فقد الكثير من هالته.

وفي واقع الأمر فإن الصدر لا يختلف عن سواه من أقطاب العملية السياسية في العراق. فهو موجود بإرادة قائمة على تسوية أميركية- إيرانية. وهو فاسد لأنه يموّل تياره من أموال الدولة العراقية. كما أنه طائفي لأنه يقود ميليشيا سبق لها وأن ارتكبت مجازر في حق العراقيين.

إذا ما كان الشيوعيون قد ارتضوا بناء على موقف انتهازي أن يكون الصدر زعيما لهم فإن ذلك لا يعني أن الرجل قد كف عن خداع الفقراء بعمامته وصار داعية لقيام دولة مدنية.

ما لم يقله الشيوعيون هو أن الصدر يعتبر قيام دولة مدنية نوعا من الكفر.

لقد تحدث طويلا عن الكفاءات التي يمكن أن تدير الدولة. لكننا ينبغي أن نكون حذرين في تفسير المعنى الذي يقصده.

فالظرف الذي جعله زعيما لا بدّ أن ينتج كفاءات من نوعه. وهو ما يعني أن الحثالة لا يمكن أن ترشح إلا حثالة من نوعها. فالصدر لا يمكن أن يعلو على واقعه الثقافي الرث. لذلك كان النواب والوزراء الذين اختارهم من تياره لا يختلفون في انحطاطهم وتخلفهم وتدني معرفتهم وفسادهم عن نواب ووزراء الكتل السياسية الأخرى.

اليوم يجد الصدر نفسه معزولا.

الشباب الذين خرجوا محتجين في مختلف المدن العراقية لم يكتفوا برفع شعارات تتعلق بالخدمات الأساسية التي صارت في حكم الميؤوس منها بل إنهم رفعوا شعارات تطالب بتغيير النظام السياسي وإسقاط نظام المحاصصة الطائفية التي استفاد منها الصدر وأشباهه وحصلوا من خلالها على شرعية سلطتهم الزائفة.

ولأنه قصير النظر في رؤيته للتاريخ كما هو حال سياسيي العراق الجديد فقد توقع الصدر أن تكون الاحتجاجات محدودة وستنتهي “لأنها لم تحظ بمباركته”. غير أن ما لم يكن يتوقعه هو أن تنضم المدن التي كان يعتبرها محميات لشرعيته إلى الانتفاضة الشعبية التي تميزت بتلقائيتها.

لقد خسر الصدر رهانا، كان يشكل جزءا من قوته في مواجهة القوى الشيعية الأخرى. عبّر عن محدودية ذكائه يوم أعلن عن إيرانيته. لذلك فإنه لن يستعيد مكانته حتى بالنسبة لأتباعه الفقراء الذين صاروا يدركون أن دولتهم الثرية تخدعهم من خلال خطبة الجمعة التي يلقيها ممثل المرجع الأعلى السيستاني.

فبعد أن وصل مقتدى الصدر بنفسه بـ”وطنيته” إلى الحضيض ها هم الشباب المحتجون يفضحون بأصواتهم الهادرة كذبة شعبيته. فالرجل لا يملك مشروعا وطنيا حقيقيا للتغيير. كان في السابق يمارس دورا كيديا ضد خصومه الشيعة من أجل كسب ودّ إيران.

وإذا ما كان الصدر يحاول الآن استدراك ما فاته فإنه لن يتمكن من النجاة بنفسه من مركب العملية السياسية الغارق. ذلك لأنه كان واحدا من صناع ذلك المركب وكان واحدا من أكبر المستفيدين منه.

لقد أنتجت إمبراطوريته عددا من كبار الفاسدين الذين لن يتمكن سؤال من نوع “من أين لك هذا؟” من اللحاق بهم والتحقق من ثرواتهم. ذلك لأنهم كانوا قبل الارتباط بحركة الصدر مجرد شحاذين يعتاشون على المعونة التي يوفرها نظام الإعانة الاجتماعية في دول اللجوء.

لن يصدّق مقتدى الصدر بأنه لم يعد رقما صعبا في المعادلة السياسية؛ فما لم يتمكن من إنجازه خصومه السياسيون، استطاع الشباب المحتجون من الوصول إليه بتلقائية لا يمكن توقعها.

سيد مقتدى أنت اليوم خارج الحلبة.