تتعدد الضغوط على رئيس الحكومة سعد الحريري، كأنّه يتحمّل منفرداً المسؤولية عن كلّ السياسات والتسويات والأزمات. هناك من يضغط لإخراجه، وهناك من يضغط من الداخل والخارج، على حدٍّ سواء، لبقائه في السراي الحكومي، إنّما بشروط والتزامات محدّدة. فهو بالنسبة الى الخارج المُؤتَمن على تنفيذ شروط تحقيق مشاريع «سيدر»، وهو العمود الـ14 آذاري في التسوية الرئاسية، ومسؤول عن مواقف وأفعال شركائه فيها، فضلاً عن تحمّله «زَكزكات» هؤلاء الشركاء المتواصلة. كذلك، يعاني الرجل فتوراً مع قاعدته الشعبية، وإحجام الدعم العربي والغربي له، وتَململاً داخل تياره، إضافةً إلى خسارات مالية. وبدأت الفضائح والحكايات العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات تطاوله على أكثر من صعيد. فماذا لو لم يتحمّل كل هذه الضغوط، وقرّر أن يدير ظهره ويمشي؟
 

الضغوط التي تشتدّ على وريث الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليست بجديدة، فهو دخل ميدان السياسة والسلطة تحت الضغوط، فنجح في التعامل مع بعضها ورَزح تحت بعضها الآخر. وعلى رغم كلّ التجارب السياسية التي اختبرها على مدى 14 عاماً، ما زال رئيساً لـ»التيار الأزرق»، ولا يزال الخيار الأوّل وربما الوحيد لرئاسة الحكومة.

 

من المؤكّد أنّ الجهات المانحة تضغط على لبنان، عبر الحريري، لتحقيق الإصلاحات المطلوبة شرطاً لضَخّ الأموال في هذا البلد. كذلك، تُطالب أطراف خارجية الحريري بتعديل سياسته ولَجم حضور «حزب الله» وحلفائه شرطاً لاستعادة الدعم للبنان، وله شخصيّاً. وعلى رغم كلّ الاستفزازات والانتقادات التي يتلقّاها مباشرة أو موارَبةً من فريق رئيس الجمهورية، فإنه يعضّ على جروحه ويتمسّك بالتسوية. أمّا على خط العلاقة مع «حزب الله»، فيرى كثيرون أنّ «حزب الله هم الغالبون». الروابط مع حلفائه الـ14 آذاريين الحاليين والسابقين تَخلخَلت سياسياً وشخصياً. داخل تياره الأزرق، أصوات معترضة، وإجراءات تنظيمية ومالية تزيد نقمة القاعدة. ووصلت الضغوط أخيراً الى حياته الشخصية، ما يُنذر بأنّ وتيرتها الى ارتفاع أو أنها لن تتوقف على الأقل.

 

على رغم كل هذه الضغوط، فإنّ الحريري ليس في أجواء الاستقالة، وهذا الخيار ليس موجوداً على أجندته، على ما يؤكّد قريبون منه. أمّا خطته للمواجهة، فهي ببساطة الاستمرار في العمل والسعي الى مزيد من الإنتاج وتفعيل مؤسسات الدولة. فهو يعتبر أنّ أيّ عراقيل يضعها أيّ طرف، تكون في وَجه البلد وليس في وجهه. وإذا استمرّت الضغوط، فهذا يعني أنّ هناك من يَهدف الى جَرّ البلد الى وضع خطير جداً. ففي ظلّ الوضع الحالي، المواقف السياسية لا تستهدفه هو، بل البلد ومصيره.

 

من هذا المنطلق، سيستمرّ الحريري في التغاضي عن كثيرٍ من التفاصيل، في علاقاته بالأطراف الداخلية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وسيستمرّ بالتعامل مع «المواقف النافرة» التي تصدر عن التيار المحسوب على الرئيس «عالقطعة»، ولن يخلط بينها وبين التسوية والعلاقة مع عون. ويشير القريبون منه إلى أنّ الأجواء الجيدة التي سادت جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، تدحَض كل ما قيل عن التوتر بين الرجلين.

 

كذلك، لا يبدو أنّ الحريري خائف من تطيير حكومته أو إسقاطها، وما زال مطمئناً الى ثبات التسوية، وهو مُقتنع بأنّ السيناريو الوحيد المطروح هو إمّا بقاء البلد وإمّا سقوطه. وفق هذه المعادلة، يعتبر الحريري أنّ مواقفه السيادية ثابتة، إنما مع الحفاظ على مصلحة البلد وعدم هَزّ الاستقرار، ولا يُمكن لأحد أن يُزايد عليه في هذا الإطار. وتعترف مصادر في تيار «المستقبل» أنّ الحريري لا يُمكنه مواجهة «الحزب»، حتى لو أراد ذلك، والجميع في الداخل والخارج يعلم أنّ هذا الأمر ليس في يده. وإذا كان هناك ضغط في هذا الإتجاه، فهذا يعني أنّ المطلوب تدمير البلد وليس إنقاذه.

 

وعلى رغم أنّ استقالة الحكومة غير مطروحة، إلّا أنّ البلد يعيش في هذه المرحلة كلّ دقيقة بدقيقتها. وقد يؤدي أيّ عامل طارئ الى سيناريوهات عدة، أقلّها استقالة الحكومة. لكنّ استقالة الحريري إرادياً مُستبعدة، وفق المطلعين، إذ إنّ هناك عوامل عدة مرتبطة بـ»سيدر»، وبه شخصياً في الوقت نفسه، ومن المُستبعد أن يقبل الرئيس الفرنسي أيّ تغيير على صعيد رئاسة الحكومة. وهذا التغيير قد يعني خسارة قروض «سيدر» نهائياً بمعزل عن أيّ إصلاحات.

فضلاً عن ذلك، ستؤثّر استقالة الحكومة في الوضعين المالي والاقتصادي، وسيتعذّر حينها السيطرة على ثَبات الليرة، إضافة الى آثار الوقت الذي قد يتطلّبه تأليف حكومة أخرى، في مرحلة لا يتحمّل البلد فيها نصف ساعة من الوقت الضائع.

 

أمّا في حال استقالَ الحريري ورفضَ تأليف حكومة جديدة، وتضامَن معه حزبا «القوات اللبنانية» و»التقدمي الاشتراكي»، فلن تكون التسوية الرئاسية مهدّدة وحدها بالسقوط، بل عَهد عون بكامله، إذ إنّ البلد سيدخل في مرحلة سياسية جديدة. ويرى معنيون أنّ هناك استحالة لتشكيل حكومة لا يترأسها الحريري، فهو ما زال يحظى بثقة متعددة الأبعاد: سنية، 14 آذارية، سعودية وغربية.

 

أمّا سيناريو تأليف حكومة من قوى 8 آذار حصراً، فسيؤدّي تلقائياً إلى تحويل العقوبات الأميركية، التي تحاول الآن انتقاء «حزب الله» وحلفائه، الى الحكومة والدولة اللبنانية بكاملها، وسيحصل الانهيار المالي في ساعات، ويسقط العهد الرئاسي. لذلك، لا يرغب عون أو «حزب الله» في استقالة الحريري، فتُعالج سريعاً أيّ خلافات بين رئيس الجمهورية وفريقه ورئيس الحكومة، ويبقى «الحزب» في هذا السياق «الصامت الأكبر». وفق هذه المشهدية، يظهر الحريري رجل الزاوية في المعادلة الحالية، وهذا ما يُساعده على تحمّل الضغوط، فضلاً عن أنّه يعلم أنّ ثمن رحيله على البلد سيكون أكبر بكثير من ثمن بقائه، في ظلّ الأزمة الراهنة شبه الكارثية، بحسب ما يؤكد قريبون منه. ويُجمع كثيرون على أنّ استقالة حكومة «الى العمل»، في المرحلة الراهنة، ستكون عملياً إشارة الى الانهيار الكبير.