وهكذا تضع رئاسة الجمهورية المُفخّمة يدها على جرح الأزمة المالية والاقتصادية الحرجة التي تعانيها البلاد هذه الأيام، إنّهم المشاغبون والمُحرّضون ومُطلقو الإشاعات ورواد التواصل الاجتماعي عبر الوسائل الالكترونية، هؤلاء هم الذين يسعون جُهدهم لتدمير الإقتصاد الوطني
 
 
لعلّ أخطر ما شهده لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، لم تكن الانتفاضة الشعبية "المحدودة" نهار الأحد الماضي، وهي ليست بالطبع أزمة اختفاء الدولار من الأسواق المالية، وهي ليست تلك "الفضيحة" المشينة التي نُسبت لرئيس مجلس الوزراء، بل لعلّها (مع قليلٍ من المبالغة) تكمن في تعميم مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية لنصّ المادة ٢٠٩ من قانون العقوبات، والتي تُحدّد ماهية النّشر وضوابطه، والمادتين ٣١٩ و٣٢٠ من القانون نفسه، والتي تحدد العقوبات التي تنزل بحقّ مرتكبي جرائم النّيل من مكانة الدولة المالية، والخطورة لا تكمن في تحديد العقوبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسمائة ألف ليرة إلى مليوني ليرة، بل في تحديد الفضاء العام الذي تتوخّى المادة ٢٠٩ من قانون العقوبات فرض الحظر عليه، وهي على ما يبدو مُستقاة من عقلية وروحيّة الأنظمة الاستبدادية الشمولية، والتي لا تسمح "بالكلام والصراخ" في محلٍّ عام أو مُباح للجمهور، وفي تشديدٍ لافت، لا يمكن الكلام والصراخ جهراً أو بالوسائل الآلية، ولا يقتصر الحظر على ذلك، بل يتعدّاه للكتابة والرسم واللوحات والصُّور والأفلام والتصاوير على اختلافها، إذا ما عُرضت في مكانٍ عام أو مباح للجمهور، أو بِيعت أو عُرضت للبيع، وصولاً لبيت القصيد: حظر استعمال الوسائل الالكترونية.
 
 
 
وهكذا تضع رئاسة الجمهورية "المُفخّمة" يدها على جرح الأزمة المالية والاقتصادية الحرجة التي تعانيها البلاد هذه الأيام، إنّهم المشاغبون والمُحرّضون ومُطلقو الإشاعات ورواد التواصل الاجتماعي عبر الوسائل الالكترونية، هؤلاء هم الذين يسعون جُهدهم  لتدمير الإقتصاد الوطني، والنّيل من سمعة الوضع المالي للدولة، ذلك أنّ الحُكام (ومنذ أكثر من عشر سنوات ) ضربوا بيدٍ من حديد على أيدي الفاسدين والمُفسدين، وقاموا بحماية المال العام من النّهب والتّبذير، وأصلحوا الخدمات الرئيسية في كافة القطاعات وفي مقدمها قطاعي الكهرباء والاتصالات، وحافظوا على البيئة، وشجّعوا الصناعة الوطنية والزراعة، وعملوا على إحياء السياحة وتحفيز النمو العام، إلى أن جاء بالأمس حفنة من المشاغبين والمُغرضين التّواقين للنّيل من العهد وسياساته"الرشيدة"، فتدهورت العملة الوطنية وأصبح الدولار عزيز المنال، وتفاقمت البطالة وتعالى" كلام المواطنين وصراخهم" ولم يكتفوا بذلك، بل نزلوا إلى الشارع و"تطاولوا" على العهد والحكومة وأركان النظام، وهذا ما استدعى استحضار هذا القانون وتعميمه لإعادة الأمور إلى نصابها، فمعالجة أزمات هذا الشعب"الرتش"، حسب تعبير أحد رموز العهد الميمون، لا تكون إلاّ بالتّضييق على الحريات ومراقبة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كي لا يعيثوا فساداً في المجتمع، ويُخرّبوا مسيرة " الإصلاح والتغيير العونية" التي يقودها فارس هذه الأمة القادم من أحلام هذا الشعب الصابر الموجوع: جبران باسيل، فخامة الرئيس القادم.
 قال الشاعر:
وقد يُهلكُ الإنسان كثرةُ ماله
كما قد يُذبحُ الطاووس من أجل رِيشه.