تضمّ «المصري اليوم»، على الأرجح، أو تجتذب، العدد الأكبر من كتّاب وكاتبات مصر. واللافت أن الكوكبة النسائية هي الأكثر تعاطياً في الشأن الاجتماعي والقضايا الوطنية، ودائماً في شجاعة وفروسية لا تهاب. واللافت أكثر في أقلام هؤلاء السيدات، أن المرأة ليست بين دعاويهن إلا نادراً. القضية عندهن هي مصر ومجتمع مصر وحياة الناس فيها. وهن بالمرصاد لكل من يعتدي على هناء هذه الحياة، أحزاباً أو مجموعات، أو أفراداً. ربما أتجاوز أحياناً قراءة بعض الكتّاب، لكنني لا أذكر أنني أهملت مرة قراءة هؤلاء السيدات.

 


دائماً يقع الكاتب، في مثل هذه الحالات، في المشكلة نفسها. وهي عدم القدرة على ذكر جميع الأسماء، لأسباب مهنية واضحة، مع أنني أتمنى لو ذكرتهن جميعاً لأن لكل كاتبة لونها واجتهادها وشجاعتها. أكاد أقول إنهن يشكّلن فرقة نهضة وتنوير خاصة بهن، أو بالصحيفة التي تلعب هذا الدور من دون أي ادّعاء أو عظات أو خطب. في ذكريات لوتس عبد الكريم، أقرأ ما لم أعرفه عن وجوه كريمة في حياة مصر. وفي مقالات سحر جعارة، أقرأ صوَراً جريئة من المجتمع المصري المتعدّد الوجوه مثل غيره من المجتمعات الكبرى. وفي مواجهات فاطمة ناعوت، أتابع دائماً حملتها ضدّ التلوّث الطائفي ودسائس الفتن المخيفة.

 


الذي حملني على كتابة هذه الزاوية اليوم أنني قرأت مقال الزميلة داليا عبد الكريم الأحد الماضي مكتوباً باللغة العامية. لا ضرورة لأن أكرر أن العامية المصرية هي الأحب إلى قلبي بين جميع المحكيات العربية، لا ينافسها في الغنائيات، سوى اللهجة العراقية التي تتداخل فيها للأسف، كلمات أعجمية كثيرة. وقد عمد كتّاب مصريون كثيرون إلى «تحلية» مطالعاتهم بجملة عامّية من هنا وكلمة ظريفة من هناك. غير أن الزميلة قرّرت على ما يبدو، أن تعتمد نهجاً جديداً وهو الكتابة بالعامية من دون أي اعتبار آخر. وأخشى أن هذا لا يجوز بالنسبة إلى جريدة مثل «المصري اليوم» ولا يحقّ بالنسبة إلى زميلة مثلها.

 


إن المرئيات وشبكات التواصل وبرامج التسلية تضافرت في استسهال الفصحى حتى ألغتها من الوجود، بسبب أو بغير سبب. لكن الكلمة المكتوبة، حرام عليها أن تشارك في عملية الإمحاء والإلغاء هذه. والفرق شاسع بين استخدام العامية لوناً عاطفياً وبين اعتمادها بديلاً للّغة الأم. تخوض الفصحى معركة شرسة من أجل البقاء، ويؤسفني أن تكون السيدة داليا في الجانب الآخر.