يُمكن وصف النشاط الرسمي أمس بأنه لملمة لتداعيات نهاية الأسبوع، سواء في ما خصَّ أزمة الدولار أو الحركة الاعتراضية في الشارع أمس الأول.
 
وترجمة الحدث السياسي- المصرفي، الذي تمثل بزيارة حاكم مصرف لبنان إلى قصر بعبدا، ولقاء المكاشفة مع الرئيس ميشال عون، ستكون بمضمون تعميم المصرف في ما خص توفير الدولار بسعر الصرف الرسمي الذي لا يتجاوز الـ1507.50 ليرة لكل دولار أميركي، لتوفير السلع الضرورية لحياة اللبنانيين (نفط، قمح، أدوية..) والتي كانت وراء تحركات الأحد الماضي، التي فرضت تعميماً رئاسياً حول مواد في قانون العقوبات، تمنع التعرّض للرئيس ولهيبة الدولة.
 
والأهم في السياق، ترجمة ما أعلنه الحاكم سلامة، بعد لقاء بعبدا: نؤمن حاجات القطاعين العام والخاص بالعملات الأجنبية، وسنصدر اليوم تعميماً يُخفّف الضغط على الدولار وينظم توفير السيولة للمصارف.
 
وكان اللافت ما ذكرته قناة «المنار» الناطقة بلسان «حزب الله»، في نشرتها مساء أمس: «تزامُناً، ارتقابٌ لصدورِ تعميمٍ عن حاكمِ مَصرفِ لبنان رياض سلامة حولَ تحديدِ سعرِ صرفِ الدولار. تعميمٌ قال سلامة عنهُ بعدَ لقاءِ رئيسِ الجمهورية العماد ميشال عون اِنَهُ سيُنَظِمُ عَبرَهُ تامينَ الدولارِ بالسعرِ الرسميِ لتامينِ البنزينِ والطحينِ والدواء. فكيفَ سيَتِمُ التأمينُ بين ليلةٍ وضُحاها؟ وإن كانت موجودةً، وهي موجودةٌ، فلماذا حُجِبَت عن الاسواقِ التي وصلَت حدَّ الغليان، ومعَها المواطنُ الذي ليسَ له عندَ هؤلاءِ ايُ حساب؟ سؤالٌ برسمِ الأيام».         
 
هدوء بعد العاصفة
 
باستثناء قطع طريق الجنوب عند مفرق بلدة الغازية، بالاطارات المشتعلة احتجاجاً على الوضع الاقتصادي، لم تسجل أمس أية تحركات احتجاجية على غرار «انتفاضة الاحد». في حين تراجع سعر صرف الليرة في مقابل الدولار لدى مكاتب الصيرفة من 1570 ليرة إلى 1540واقفل على 1520، وهو تقريباً يماثل سعر الصرف الرسمي لدى البنك المركزي، ما يؤشر إلى عودة الهدوء إلى سوق العملات.
 
وفي انتظار طبيعة التعميم الذي ستتخذه حاكمية مصرف لبنان اليوم بشأن توفير الدولار الأميركي للمصارف بالسعر الرسمي لتأمين البنزين والأدوية والطحين ضمن آلية سيرد شرحها في طيات التعميم، دعت مصادر نقابية الحكومة إلى مصارحة الشعب بحقيقة الوضع المالي، وتوضيح أسباب ما جرى في الأسابيع الماضية، ومن هي الجهات المسؤولة عن فقدان الورقة الخضراء من الأسواق؟ ومن هي الجهات التي تقف وراء المضاربة على الدولار؟ وهل صحيح انه كان يهرب إلى سوريا، ومن كان يقوم بهذا العمل.
 
وفي تقدير هذه المصادر ان رسالة الشارع، عبر الحركات الاحتجاجية التي جرت، جاءت شديدة اللهجة للحكم والمسؤولين، بضرورة المبادرة إلى اتخاذ خطوات سريعة لإنقاذ الوضع الاقتصادي من الانهيار، وهذا ما يفترض ان يظهر في مجلس الوزراء الذي سيعاود جلسات درس موازنة العام 2020 عصر اليوم، بعد ان يكون الرئيس الحريري قد عاد من باريس ليلاً، بعدما مثل لبنان في مراسيم دفن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وكذلك خلال جلسة لجنة الإصلاحات التي ستنعقد قبل مجلس الوزراء.
 
ودعت هذه المصادر إلى عدم الاستهانة من ابعاد التحرّك العفوي الواسع للناس في كافة المناطق اللبنانية، والذي قد يتكرر على نطاق اشمل هذه المرة، لافتة إلى ان الأمور مرشحة لمزيد من التأزم والتعقيد على كافة المستويات إذا تجاهل المسؤولون مطالب الفئات الشعبية وهيئات المجتمع المدني التي تؤكد بأن الكيل طفح جرّاء لا مبالاة السلطة وتغاضيها عن واجباتها، خصوصاً وانها كانت تلقت تحذيرات من أكثر من جهة، وكان آخرها الصورة السوداء التي رسمتها وكالات التصنيف الائتماني وسفير «سيدر» بيار دوكان لناحية عدم القيام بالاصلاحات التي اشترطتها الدول المانحة لتقديم مشاريع استثمارية للبنان بـ11 مليار دولار، يفترض ان تعيد حركة النمو المتوقف عند حدود الصفر منذ سنوات.
 
من المستهدف؟
 
وبحسب هذه المصادر فإن تحركات الأحد لم تكن تستهدف فريقاً سياسياً بعينه، لا عهد الرئيس ميشال عون ولا غيره، بقدر ما كان يستهدف الحكومة مجتمعة ومعها العهد والمجلس النيابي المنتخب منذ سنة، وهؤلاء يشكلون مجتمعين ما يُمكن تسميته السلطة القائمة، أو فريق الحكم القائم، بدليل ان هتافات المتظاهرين دعت إلى إسقاط العهد والحكومة والمجلس معاً، تعبيراً عن وجعهم نتيجة انهيار الوضع المعيشي، وبدليل ما حصل في طرابلس من تمزيق صور وشعارات سياسية.
 
غير ان مصادر مقربة من بعبدا، لا تستسيغ هذه القراءة، وتعتبر ان تحركات الأحد كانت استهدافاً للعهد، وذلك استناداً إلى ما تمّ ضخه من شائعات عن انهيارات وأزمات وتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية ذلك، ما يؤكد بحسب هذه المصادر وجود «اوركسترا منظمة» غايتها الوحيدة الإساءة إلى العهد وكأنه المسؤول عمّا حصل ويحصل، في حين ان تردي الوضع الاقتصادي هو نتيجة تراكمات، ومع ذلك يسعى إلى المعالجة فور عودة رئيس الجمهورية من نيويورك حيث باشر الرئيس عون بمتابعة المعطيات المتصلة بموضوع الدولار، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سيستكملها بلقاء اليوم مع وزير المال علي حسن خليل.
 
وكشفت هذه المصادر انه في خلال لقاء الرئيس عون مع حاكم مصرف لبنان تم عرض الأرقام والوقائع وكل ما يملكه المصرف المركزي من معطيات، وقد طلب رئيس الجمهورية من سلامة المساعدة في ممارسة المصرف دوره في المساهمة في معالجة الوضع الذي نشأ، وقد اطلع الحاكم الرئيس عون على الخطوط العريضة للتعميم الذي سيصدره اليوم وكيفية عمل الآلية وفتح اعتمادات بالدولار من أجل الأمور الأساسية من قمح وبنزين وادوية. وعلم ان الآلية تقنية.
 
وذكرت انه برز تشديد على دور المصارف في طمأنة اللبنانيين للحقيقة خلافا للشائعات التي زرعت في هذه الفترة ودور المصارف في المساعدة من خلال الاجراءات التي تتخذ بالتنسيق مع مصرف لبنان.
 
انفراجات تدريجية
 
وتوقعت المصادر حصول انفراجات تدريجية في الوضع المالي، وتحدثت عن إجراءات تحصل اليوم وأخرى لن يعلن عنها إلا بعد حصولها، معيدة إلى الذاكرة بأن هناك نظاماً يرعى عمل الصيارفة ويجب ان يطبق القانون لهذه الناحية.
 
وفي هذا السياق كان لافتاً للانتباه تعميم مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية نصوص مواد في قانون العقوبات تجيز ملاحقة مرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة المالية.
 
والملاحظ ان هذه المواد، ولا سيما المادة 209 عقوبات تعتبر وسائل نشر الأعمال والحركات والكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلاً بالوسائل الآلية، والكتابة والرسوم واللوحات والصور والإعلام والشارات إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للانظار أو عرضت للبيع أو وزّعت على شخص أو أكثر، في حين يشمل نص المادة 319 كل من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لاحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الاسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة.
 
 
 
اما الماد 320 فتنص علىانه يستحق العقوبات نفسها كل شخص تذرع بالوسائل عينها لحض الجمهور اما على سحب الأموال المودعة في المصارف والصناديق العامة أو على بيع سندات الدولة وغيرها أو على الإمساك عن شرائها».
 
وكان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية قد حرص على الرد على ما تداولته مواقع الكترونية من معلومات منسوبة إلى مصادر مقربة من قصر بعبدا، تتحدث عن ان حل الأزمة الراهنة يكون باستقالة الحكومة، وهو الأمر الذي اعتبره اعلام الرئاسة لا أساس له من الصحة، لا سيما وان رئيس الجمهورية أكّد أكثر من مرّة دور الحكومة في المرحلة الراهنة وضرورة تفعيلها.
 
كذلك نفى المكتب ما ورد في بعض وسائل الإعلام عن مداولات تتعلق بلقاء الرئيس عون مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في نيويورك، ولا سيما ما يتعلق بما نسب إلى الرئيس عون عن العلاقة مع الرئيس سعد الحريري، مؤكداً ان مثل هذه الاخبار وغيرها تندرج في سياق الشائعات التي تكاثرت في الآونة الأخيرة والتي تكذبها الحقائق الثابتة.
 
يُشار إلى ان الحاكم سلامة كان قد أكّد بعد لقاء عون أن مصرف لبنان يؤمّن حاجات القطاعين العام والخاص بالعملات الأجنبية، وسيستمر في ذلك وفقاً للأسعار الثابتة التي يعلن عنها المصرف المركزي من دون تغيير، معلناً انه سيصدر غداً (اليوم) عن حاكم مصرف لبنان تعميم ينظم توفير الدولار للمصارف بالسعر الرسمي المعلن عنه من المصرف المركزي لتأمين استيراد البنزين والأدوية والطحين ضمن آلية سيرد شرحها في التعميم، مع التشديد على أن علاقة مصرف لبنان هي مع المصارف فقط، وهو لا يتعاطى مع المستوردين مباشرة.
 
واكد إن مصرف لبنان سيتابع تحفيز التمويل للقطاعات المنتجة والسكن، وكان أعلن منذ أسبوع عن تحفيزات جديدة لقطاعات الصناعة.
 
ورداً على سؤال قال سلامة: لا يتعاطى مصرف لبنان تاريخياً بالعملة الورقية، ولن يتعاطى بها حالياً أو مستقبلياً لاعتبارات عدة، إلا أن التعميم الذي سيصدر غداً (اليوم) سيخفف حكماً الضغط على طلب الدولار لدى الصيارفة.
 
الى ذلك، اكد الرئيس عون امام وفد «اميركان تاسك فورس فور ليبانون» الذي زاره في بعبدا ان لبنان يقوم بالعديد من الاجراءات الاقتصادية بدءا من العمل على اقرار موازنة تقشف للسنة الحالية والسنة المقبلة، وفرض ضرائب على الاستيراد بالاضافة الى محاربة الفساد واطلاق الاصلاح في القطاعات المختلفة، معتبرا «ان ما نقوم به اليوم لم يكن احد ليجرؤ على القيام به من قبل». وشدد على ان لبنان ينظر الى الولايات المتحدة كصديق وهو لذلك يتطلع الى المزيد من دعمها على الصعد المختلفة.
 
ومن جهته، غرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر» مقترحاً فرض نسبة 50 في المائة على المتعهدين عمالة لبنانية باجر يفوق أجور الأجانب في مجالات البناء وورش الصيانة لوزارة الاشغال وغيرها لاستيعاب البطالة وخلق ورش مهنية مناطقية في كل المجالات، مشيراً إلى انه قام بتجربة متواضعة على المستوى الشخصي ممكن تعميمها.
 
ووصف جنبلاط في تغريدته ما حصل الأحد بأنه «غضب شعبي مشروع»، ودعا إلى تدابير حكومية جدية في ضبط الحدود والتهرب الضريبي وإقرار الضريبة التصاعدية الموحدة والحد من امتيازات الطبقة الحاكمة واقفال السفارات المنتشرة دون جدوى والإفادة من الأملاك البحرية وضبط الفساد جدياً واعتماد مناقصات شفافة لردع الرأسمال المشبوه، كما دعا إلى العودة إلى التجنيد الاجباري لترسيخ الوطنية، معتبراً انتظار حلول «سيدر» وهمية بعيداً عن نظريات النمو الكاذبة والوهمية.
 
غضب متنقل
 
إلى ذلك، افيد ليلاً ان شباناً تجمعوا مساء في شارع  الحمرا وجابوه سيراً على الاقدام، واطلقوا هتافات احتجاجاً على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. وعملت القوى الأمنية على مواكبة المحتجين وتأمين سير المواطنين.
 
وسبق ذلك، اقدام عدد من الشبان الغاضبين على قطع أوتوستراد الجنوب عند مفرق الغازية مقابل تعاونية العاملية، بالاطارات المشتعلة، احتجاجاً على تردي الوضع الاقتصادي، لكن القوى الأمنية عملت لاحقاً على فتح الطريق.
 
وفي طرابلس جابت مسيرة سيّارات شوارع المدينة وهي تبث اغاني واناشيد ورفعت اعلاماً دعماً لتيار «المستقبل» والرئيس الحريري، في ما يشبه الرد على ما حصل الأحد.
 
وفي النبطية، عمد شبان إلى إفراغ كميات من النفايات المكدسة في المستوعبات الموجودة إلى جانب الطريق وسط الطريق العام الذي يربط بلدة حاروف الجنوبية بالنبطية وبلدة جبشيت، تعبيراً عن استيائهم مما وصلت إليه الأمور من عدم جمع النفايات ولا مبالاة المسؤولين.
 
وغطت النفايات الشارع العام في حاروف فيما تجمع الشبان على جوانبه، وقطعت الطريق تماماً امام السيّارات.
 
وليلاً، ذكرت الوطنية أن شباباً تجمعوا على طريق المطار وحاولوا قطع الطريق، إلا أن القوى الأمنية متفهم.
 
إلى ذلك، نسب موقع الكتروني (لبنان 24) إلى مصادر مطلعة قولها أن «حزب الله» تمنى من الحزبيين التابعين له عدم المشاركة حالياً في الإحتجاجات التي تحصل في الشارع.
 
وأشارت المصادر إلى أن الحزب ترك الحرية ولم يصدر قراراً يمنع بموجبه أي من هؤلاء العناصر المشاركة في التحركات واكتفى بالتمني.
 
ولفتت المصادر إلى أنه في المقابل ترك الحزب الحرية المطلقة لبيئته الحاضنة للمشاركة من عدمها، إذ إن التمني سابق الذكر لا يشمل الحزبيين.