ما لا تفهمه إيران هو أن الضرر إذا كان ممكنا بالفعل، فإنه قابل للتعويض في النهاية، وأن العالم لن يسقط في هوة الفوضى. هستيريا الرعاع هي التي تستوجب العلاج، ونزعة العدوان هي التي تستوجب الاستئصال.
 

عقب عدوانها على أرامكو، أرسلت إيران مجموعة رسائل إلى السعودية تعرض السلام والحل والتعاون ووقف التصعيد. من الحوثي في اليمن، إلى “الحوثي” الآخر في العراق، إلى غيرهما من “حواوثة”المنطقة، فقد بدا أن إيران صارت تميل إلى التصالح فجأة بعد أن أدركت العواقب.

 

السؤال الذي واجه كل تلك المحاولات هو: “الكيلو بكم؟” (أو باللهجة التي يفهمها عادل عبدالمهدي، أحد وسطاء السلام، “إبيش كيلو؟”). فالعدوان وقع، وتكبدت شركة أرامكو خسائر تقدر بنحو مليار دولار، على الأقل، سواء من مبيعات النفط المفقودة، أو من التخريب الذي لحق بالمنشآت النفطية في بقيق وخريص. ولا أحد يعلم ما إذا كانت عروض الوساطة قدمت شيئا غير الكلام الذي لا يغني ولا يسمن.

 

ولئن كانت الثقة معدومة بإيران، فلا أحد يعلم أيضا ما إذا كانت العروض قدمت تعويضا عن تلك الخسائر أو تعهدت بها. ففي النهاية، العدوان عدوان. وإذا كانت طهران تجرؤ على تقديم تعهدات بالسلام بعد ارتكاب جريمة، فعلى الأقل يجب أن تجرؤ على تقديم تعويضات.

 

أرامكو شركة حكومية، هذا صحيح. ولكنها شركة في نهاية المطاف، وما قد تتعرض له من أضرار يجب أن يُحسب حسابه من ناحية التكاليف المادية، مما لا يُعوض بكلام لن تعجز إيران عن نقضه.

 

وإذ تحاول أرامكو أن تعرض حصصا منها في الأسواق المحلية والعالمية، كمثل الشركات العالمية الكبرى، فالحقيقة أن خسائرها لا يمكن أن تُحمل على محمل السياسة فقط. إنها يجب أن تُحمل على محمل المال، بالمعنى الحرفي للكلمة. كل قرش يخسره المساهمون، من دون وجه حق، أو عن طريق عمل من أعمال العدوان، فإنه يجب أن يُعوّض، وليس من المعقول توزيع عروض الحوثي على المساهمين للقول لهم إن عمامة من عمائم طهران استعدلت في جلستها ولن ترتكب أعمال عدوان مرة أخرى. كلام من هذا النوع لا يمكنه أن يُقابل إلا بالسؤال: الكيلو بكم؟

 

ومثلما أن لكل جريمة عقابا، فإن عروض السلام بعد ارتكاب الجريمة، لا تغني عن العقاب. المرء لا يعترف بجريمته، أو يقدم تعهدا بعدم ارتكابها، من أجل أن ينجو من العاقبة. الجريمة شيء والتعهد بعدم تكرارها شيء آخر. التعهد سياسة. أما الأضرار فإنها تكاليف، ويحسن بإيران، حتى وإن كانت تعاني من الإفلاس، أن تلتزم بدفعها.

 

وفي الواقع، فإن التزاما صارما بدفع تكاليف الأضرار هو واحد من أهم الضمانات لعدم تكرار العدوان.

يمكن للسياسة أن تذهب حيثما تشاء. ولكن يجدر بالعاقل أن يسأل نفسه، عما إذا كانت نزعة عدوانية متأصلة في النفس المريضة، يمكنها أن توفر أي ضمانات؟

ولكن لو أن الشعب الإيراني علم أن حكومته ستدفع تكاليف عن جرائمها، فإنه لن يسمح لها بتكرار ما فعلت.

 

إيران تخوض حربا “غير مباشرة” ضد السعودية. هذا صحيح. ولكن حتى هذا النمط من الحروب له أصول وقواعد. الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الغابر خاضا حروبا “غير مباشرة” لنحو خمسين عاما. ولكن لم يحدث أبدا أن قام أي منهما بقصف الآخر مباشرة. لأن القواعد قواعد. ولكن عندما يتعلق الأمر بدولة رعاع مثل دولة خامنئي، فقد ثبت بالدليل القاطع أن الرعاع رعاع. وهؤلاء لا يحترمون قواعدَ ولا يعرفونها أصلا.

ولأنهم كذلك، فإنهم ينطلقون من فكرة تقول إن المنشآت النفطية السعودية مكشوفة للعدوان.

 

هذه الفكرة الرعاعية مهيمنة في طهران، إلى درجة أنها هي “الإستراتيجية الدفاعية” الوحيدة التي تملكها إيران. والتهديد بها يتكرر على لسان كل مسؤول هناك. ويجب أن تزول.

 

وهناك سبيلان فقط لذلك. الأول أن يتم تدمير إيران بحرب شاملة وإسقاط نظامها، وسحق كل قدراتها على التهديد. والثاني أن تدفع تعويضات، لتفهم أن ما ترتكبه من جرائم ليس من دون ثمن.

إن أشكال الدفاع العسكري عن المنشآت الحيوية كثيرة. ولكن الرادع يجب أن يكون قويا أيضا. بل وبحجم “الانكشاف” نفسه الذي توحي به التهديدات.

 

إيران لا تخفي أن أحقادها تستمد نسغها من فكرة أن امتلاكها صواريخ، يسمح لها بتهديد ليس السعودية وحدها، بل الاقتصاد العالمي بأسره. بمعنى أنها، حتى لو كانت شديدة الإفلاس والعجز، فإنها تستطيع أن تلحق ضررا جسيما بكل العالم.

 

ما لا تفهمه إيران هو أن الضرر إذا كان ممكنا بالفعل، فإنه قابل للتعويض في النهاية، وأن العالم لن يسقط في هوة الفوضى. هستيريا الرعاع هي التي تستوجب العلاج، ونزعة العدوان هي التي تستوجب الاستئصال.

والتعويض عن الأضرار أحد أوجه العلاج. هذا هو الكيلو. وهذا هو ثمنه. لا عروض الحوثي، ولا وساطة عادل عبدالمهدي.