إذا ما كانت الدولة اللبنانية مسلوبة الإرادة بسبب هيمنة حزب الله على حكومتها، فإن الدولة في العراق تستمد إرادتها من رضا السفير الإيراني ببغداد عنها.
 

نأى اللبنانيون بأنفسهم عن الحرب الأهلية في سوريا فكان مشهد جثث الشباب القادمة من سوريا الذي صار جزءا من الحياة اليومية خير دليل على أن ذلك النأي لم يكن سوى ستار عمل من خلاله حزب الله على تفخيخ رعاياه بفكرة أن الحرب في سوريا هي مسألة مصير طائفي لا علاقة له بلبنان.

لم يقاتل حزب الله في سوريا باعتباره فصيلا لبنانيا.

لذلك لم يكن لبنان ممثلا في الحرب السورية فظلت حكومته متمسكة بمبدأ النأي بالنفس الذي كان بمثابة عملية تجميل ليست ضرورية. وهو ما يضعنا في مواجهة مسألة معقدة يقوم أساسها على المهارة في إدارة الكذبة.

كذبة أن يُقتل اللبنانيون في سوريا من غير أن تكون الدولة اللبنانية معنية بذلك. ذلك لأنها لم ترسلهم إلى الحرب، كما أنها لا تستقبلهم باعتبارهم شهداءها.

أغمضت الدولة اللبنانية عينيها عن مشاركة حزب الله في تلك الحرب، وهو ما جعلها في منأى عن الشعور بالذنب من جراء ما يتعرض له شباب لبنانيون من قتل في تلك الحرب.

اللبنانيون يُقتلون في حرب لم تكن الدولة اللبنانية على علم بها.

ذكاء وشطارة و”فهلوة” و”بلطجة” وسخرية سافرة من العقل والضمير.

العراقيون يجربون المضي في الطريق نفسه. فهم يعلنون عن نأيهم عن النزاع الأميركي – الإيراني، غير أن رئيسهم المنتخب يلقي خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة الكردية. وهو ما يعني أن العراق لم يعد عربيا. تلك مشكلة لن يواجهها أتباع إيران القابضون على السلطة في بغداد إلا باعتبارها نوعا من المزحة.

وإذا ما كانت الميليشيات الإيرانية في العراق قد حبست أنفاسها بسبب خوفها من أن تُتهم بقصف المنشآت السعودية، فإنها في الوقت نفسه لم تخف رغبتها في القتال مع إيران ضد أميركا إذا ما نشبت الحرب بينهما. ذلك ما لم تعلق عليه الحكومة العراقية التي أعلنت منذ سنوات أنها تنأى بنفسها عن ذلك الصراع.

وهو صراع تسخر تلك الحكومة من نفسها إذا ما أعلنت أنها ليست معنية به استنادا على مبدأ النأي بالنفس.

في سياق المعطيات الواقعية لا أحد في إمكانه أن يصدق أن الدولة العراقية قادرة على أن تقف على الحياد في مواجهة النزاع الأميركي – الإيراني. ذلك ما جربته الدولة اللبنانية في مواجهة الحرب الأهلية السورية وفشلت فيه حين غلبها حزب الله الذي زج بها في تلك الحرب من خلال استلابها القدرة على أن تكون محايدة.

وإذا ما كانت الدولة اللبنانية مسلوبة الإرادة بسبب هيمنة حزب الله على حكومتها، فإن الدولة في العراق تستمد إرادتها من رضا السفير الإيراني ببغداد عنها. وهو ما لم يدركه بعض العراقيين حين أظهروا استياءهم من تصريحات ذلك السفير الذي دعا العراق من خلالها إلى طرد القوات الأميركية من أراضيه التي هي من وجهة نظره جزء من المحميات الإيرانية.

لم تعلق الحكومة العراقية بشيء على تصريحات السفير الإيراني. ذلك لأنها اعتبرتها جزءا من حوار داخلي. فالعراق لم يتعرف بعد على هويته الجديدة بعد أن فقد هويته التاريخية.

كما سعد الحريري في لبنان، فإن عادل عبدالمهدي في العراق لا يجرؤ على اتخاذ موقف، يكون من خلاله خصما للسياسات الإيرانية التي تلتهم الجزء الأكبر من قدرته على تصريف شؤون الدولة.

لا يملك الرجلان سوى أن ينتظرا ما يمكن أن ينتهي إليه الصراع الذي هو أكبر منهما ومن بلديهما اللذين صارا في قبضة ميليشيات تابعة لإيران. أما “النأي بالنفس” فإنه كذبة مررتها إيران من أجل خرق الإجماع العريض.