أدّى قصف المنشآت النفطية في نهاية الأسبوع الماضي في السعودية الى خفض أنتاج النفط بواقع 5.7 ملايين برميل يومياً وخفض العرض العالمي للنفط بمقدار 5 في المئة. وقد اتهمت الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراء الهجوم. ماذا يحصل اذا ما قررت الأدارة الأميركية الرد على هذه الهجمات عسكرياً، وهل تندلع حرب النفط في الشرق الأوسط؟
 

من المؤكد أنّ الحرب في الخليج سوف تزعزع النظام العالمي للنفط. وهناك مخاوف من أن تؤدي التوترات بين الولايات المتحدة وأيران، التي ما فتئت تتزايد منذ ترك الرئيس ترامب الاتفاق النووي مع ايران العام الماضي، ويمكن بالتالي أن تتحوّل الى حرب جديدة. هذه الضربة (قصف المنشآت النفطية في السعودية) تُعتبر أكبر ضربة مدمّرة منذ أن بدأت الحرب في اليمن منذ أكثر من أربع سنوات.

وقبل أن تتوضّح التفاصيل، جاءت ردة الفعل الأوّلية للرئيس الأميركي بالمطالبة بمزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران. ولا شك أنّ هذا الأمر يضرّ بالاقتصاد الايراني، وقد يكون هذا السبب الذي دفع أيران أن تقرّر ضرب البنية التحتية للنفط في المملكة العربية السعودية، بما يعني أنّ إنذار الحرب الاقتصادية ضد طهران جاء ردُّه ضد الرياض. وقد أظهرت الهجمات ضعف إمكانية الرد السعودي وهو عامل أساسي يستحق التوقف عنده.

فقد كان أيُّ هجوم على المنشآت النفطية في الخليج خط أحمر، ولكنّ الأمور تتغيّر وأصبحت الولايات المتحدة تحصل على نسبة متزايدة من النفط من إمدادتها وقد لا يرى الرئيس الأميركي في هذه العملية ما ينتقص من المصلحة القومية الأميركية، ومن الواضح أنّ الرئيس وعلى ما يبدو يريد إنهاء المغامرات العسكرية الأميركية في الخارج وليس بداية جديدة.

أما دبلوماسياً، فوزير الخارجية مايك بومبيو قال إنّ الضربات بمثابة إعلان حرب، وجاء ردّ ظريف قائلاً: إنّ أيران ليست لديها أيّ رغبة في الحرب ولكننا لن نتردّد في الدفاع عن أنفسنا.

يمثّل تصاعد الصراع في الخليج ايضاً تهديداً لأمن الطاقة الصينية والأوروبية لا سيما أنّ المملكة السعودية هي أكبر منتج ومصدّر للصين بما يقترب من 17 بالمئة من نفط الخام، كذلك الأوروبيون الذين يعتمدون على أكثر من 13 بالمئة من مواردهم النفطية من الخليج، واحتدام الصراع الاقليمي من شأنه أن يهدّد وصول الأوروبيين الى هذه الإمدادات وإجبارهم على دفع أسعار أعلى، ويقوّض الجهود الدبلوماسية الجارية لعودة النفط الإيراني الخام الى سوق النفط العالمي.

لذلك ليس من المستغرب أن يقف المسؤولون الصينيون والأوروبيون موقفاً حذراً تجاه الأزمة، وعلى الرغم من أنّ وزارة الخارجية الصينية دانت الهجوم ودعت الأطراف الى تجنّب اتّخاذ إجراءات تفضي الى تصعيد التوتر في المنطقة. والملفت ايضاً أنها امتنعت عن تحديد المسؤولية في هذه الهجمات. كذلك الأوروبيون أكدوا على أهمية تجنّب تصعيد التوتر في المنطقة. لذلك وعلى ما يبدو، و في ضوء هذا التحفّظ اذا أرادت الولايات المتحدة أن تضرب أيران ستضطر الى العمل بشكل منفرد.

والأكيد أيضاً، أنّ إدارة ترامب لديها حوافز قوية لتفادي تصعيد الصراع، وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة هي اليوم في طليعة الدول المنتجة للنفط في العالم كما قال ترامب مؤخراً، إنما البلاد ليست محصّنة من عدم الأستقرار لا سيما وأنّ السوق النفطية عالمية وقد تتأثر أميركا بأسعار نفط مرتفعة. كذلك محطات التكرير الأميركية ستدفع أكثر على النفط الخام بغض النظر عن مصدره وعندما ينعكس ارتفاع السعر هذا على عملائهم سوف يدفع المستهلك الأميركي سعراً أكبر من السوق.

 
 

ويمكن لأسعار نفط مرتفعة باستمرار أن تدفع البلاد الى انكماش لا سيما وأننا في سنة انتخابات وهذا الأمر ينعكس سلباً على إعادة انتخاب ترامب، وأيّ حرب في الخليج ليست مستحَبّة لدى الأميركيين وأيّ هدر للمال أو للأرواح سينعكس سلباً.

وحسب البعض، سيكون القتال للدفاع عن النفط السعودي خطأً فادحاً، وهذا العزوف عن الرد الجماعي من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين يعني انّ مَن ارتكبوا الهجمات على منشآت النفط عند طريق قريش سوف يفلتون من العقاب، لا سيما وأنّ اعتماد الدول على النفط وموارده يكبّل أيديهم في خضم هذه المشكلة، وكونهم أكيدين أنّ ضرب ايران أو تعزيز العقوبات النفطية عليها لن يحلّ المشكلة.

لذلك وبدلاً من التهديد بردّ عسكري تحدث السيد بومبيو عن تجميع تحالف دولي لمنع وقوع مزيد من الهجمات دون تحديد مَن سيتضمّن وما يمكن أن يفعله. وقالت وزارة الخارجية بعد لقاء بومبيو ومحمد بن سلمان إنهم «اتفقوا على أنّ هذا غير مقبول ولا يهدّد فقط الأمن الوطني السعودي بل من شأنه أيضاً أن يعرّض للخطر حياة جميع المواطنين الأميركيين المقيمين في السعودية، كذلك إمدادات الطاقة في العالم بشكل عام». أضاف أيضا أنه «يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتكاتف لمواجهة التهديد المستمر للنظام الإيراني».

ما يتحدث عنه بومبيو غير موجود وأميركا ستكون وحدها في الساحة لتدافع عن بترول الخليج وأمنه، لا سيما وأن الأوروبيين مصرّون على تنفيذ الاتفاق النووي واقتناعهم الأكيد بأنّ ايران التزمت به التزاماً تاماً.

لذلك تبدو الصورة غامضة بعض الشيء وكما سبق وذكرنا أميركا في وضعية غير مريحة وترامب على أبواب انتخابات رئاسية قد تطيح بطموحاته لدورة ثانية. والنفط الأميركي لن يحدّد الأسعار في الأسواق العالمية وأيّ أرتفاع فيها قد يؤدي الى بلبلة في أسواق الأستهلاك الأميركي، الأمر الذي سينعكس سلباً على ترامب وإدارته. أضف الى ذلك أنّ خبرة أوروبا في أيِّ حرب في الشرق الاوسط خبرة مريرة لم تجد أيّ جدوى، لذلك لن تعاود أوروبا الكرة و تدخل في متاهة التجاذبات.

والسؤال الآن هو ما الذي سيفعلونه أو ربما ماذا يمكن أن يفعلوا؟ الجواب ليس الكثير، فالولايات المتحدة بالتأكيد هي بجانب السعودية رغم تنامي الشعور في الكونغرس الأميركي بعدم جدوى وإنسانية الحرب في اليمن. ولكن في الواقع، فإنّ ترامب يقوم بإرسال إشارات متناقضة جداً الى طهران، مظهراً استعداده للاجتماع بالإيرانيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لذلك تبدو الصورة غير واضحة و ترامب يراهن على الوقت وأيضاً الإيرانيون لحلّ المشكلة.