نظمت مؤسسة SPIAL، مؤتمرا دوليا حول المرأة بعنوان: "المعالجة السريرية للنساء العربيات: بين السيطرة والإرث التاريخي والعيادة"، في المعهد العالي للدكتوراه في حرش تابت، برعاية رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ورئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية كلودين عون روكز وحضورها، وبالتعاون مع قسم دراسات التحليلات النفسية، ومعهد الإنسانيات والعلوم والمجتمعات التابع لجامعة باريس، والمؤسسة الأوروبية للتحليل النفسي، والمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية.

افتتحت المؤتمر رئيسة مؤسسة SPIAL البروفسور جانيت أبو نصر دكاش، وشارك فيه عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسور محمد محسن، النائب السابق غسان مخيبر، ومتخصصون في مجال علم النفس العيادي وعدد من الباحثين والأكاديميين من ذوي الخبرة الواسعة.

يهدف هذا المؤتمر إلى تسليط الضوء على أهمية التحليل النفسي في تحديد آثار القمع على هوية المرأة الأنثوية، وتحدي المرأة للصورة النمطية، إلى جانب إظهار أهمية المعالجة السريرية مع النساء العربيات من خلال العمل على تكوين الشخصية النسائية.

وتخلَّل المؤتمر التشديد على مفهوم بنية الشخصية الأنثوية الطبيعية في لبنان بكافة نواحيه بهدف تأكيده كحقيقة علمية وإدراج هيكل الشخصية الأنثويةLa structure de la Personnalité féminine" (Daccache 2019) في القاموس، وفي مرحلة لاحقة إدراجه في المنهج الدراسي لعلم النفس بهدف حماية كيان المرأة وصون كرامتها.

روكز

وألقت روكز كلمة قالت فيها: "إن دراسة المشاكل النفسية التي تواجهها النساء العربيات، هو مشروع طموح تتعدد فيه التخصصات بامتياز"، لافتة الى "ان التاريخ وتطور المجتمعات وهياكلها القانونية، كما تطور المعتقدات الدينية وتطبيقها في الممارسة العملية، وكذلك البنية الشخصية للفرد، هي عوامل مختلفة يجب أن نأخذها في عين الاعتبار في هذا المجال.
ففي هذا العالم المعاصر الذي يشهد على آثار إلغاء الحدود، تزداد صعوبة الحفاظ على خصوصيات وهويات مختلف مكونات المجتمع، حيث النساء لا يشكلن استثناء. في مناطقنا، تواجه النساء مشكلة رئيسية تتمثل في عدم الاعتراف بهن كمواطنات بشكل كامل.
وتظهر هذه الصعوبات بقوة حين يتعلق الأمر بالإصلاحات القانونية التي تهدف إلى إحقاق المساواة بين النساء والرجال.
وكلي ثقة، بأن هذا المؤتمر سوف يفتح آفاقا جديدة تتيح لنا أن نحدد بشكل أفضل أسس القواعد والممارسات التمييزية ضد المرأة من جهة، وأن نميز الاتجاهات المناسبة لتحقيق المساواة بين المواطنات والمواطنين من جهة أخرى".

أضافت: "السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل تعترف دولتنا بنا، نحن النساء، كمواطنات كاملات؟
الجواب هو نعم، إذا أخذنا في عين الاعتبار الأحكام الدستورية حيث يكون مبدأ المساواة بين المواطنين معلنا، وحيث هناك توافق على أن هذا المبدأ ينطبق أيضا على المواطنات.
والجواب هو أيضا نعم، إذا اعتبرنا أن الحق في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة المهنية والثقافية والاقتصادية والسياسية معترف به بموجب القانون، وأن بعض أخواتنا يشاركن بنجاح في بلدنا على صعيد الحكم كما على صعيد الدفاع.
لكن الجواب الإيجابي يبقى مختلطا، عندما نرصد الفجوات الموجودة في الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف في بلدنا، أو حين نرى الأحكام التمييزية التي لا تزال سارية في قانون الضمان الاجتماعي.
والأهم من ذلك، أننا ندرك أن صفة المواطنة الممنوحة للمرأة تميل إلى الاختفاء في مناطقنا، إذا نظرنا إلى حقوقها المعترف بها في قوانين الأحوال الشخصية، وهو مجال اختارت الدول أن تبقيه خارج اختصاصها القضائي. والأسوأ من ذلك أن بعض دولنا ومنها الدولة اللبنانية، لم تعترف بعد بحق المرأة في نقل جنسيتها إلى أولادها.
في هذا السياق، تبذل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية قصارى جهدها لمواجهة التحدي المتمثل في استمرار وجود ثغرات قانونية تمييزية وفجوات في تدابير حماية النساء".

وقالت: "نذكر هنا على سبيل المثال، جهودنا لتعديل قانون حماية النساء من العنف الأسري، واعتماد ال18 سنة سنا أدنى للزواج، وتجريم التحرش الجنسي والعلاقات الجنسية مع قاصرة يتراوح عمرها بين 15 و 18 سنة، وحصول النساء على جميع الحقوق والخدمات المقدمة للرجال في قانون الضمان الاجتماعي.
وهذه الجهود لا تخلو من العقبات. في الواقع، فإن مناقشاتنا مع الأشخاص أصحاب النفوذ على مستوى صنع القرار لتحسين الوضع القانوني للمرأة، واجهت حججا ذات طبيعة سياسية أكثر منها من قناعات شخصية.
في الواقع، فإن صانعي القرار الذين يعارضون هذه الإصلاحات القانونية، يقومون بذلك بشكل عام لأسباب سياسية، خوفا من مواجهة معارضة من قبل ناخبيهم أو من مرجعياتهم الدينية. وغالبا ما تستند هذه المعارضة إلى اعتبارات تقليدية أو دينية تتعلق بالمكان الذي يفترض أن تشغله المرأة في المجتمع.
تستند معارضة التغيير في معظم الحالات إلى الصور النمطية السائدة في المجتمع حول أدوار كل من النساء والرجال والصفات المطلوبة منهم لإنجازها. وتختلف هذه الصور الاجتماعية الموروثة من السياق التاريخي والاقتصادي والسياسي والثقافي عن حاضرنا اليوم، ولم تعد تتوافق مع واقعنا الموضوعي. ومع ذلك، فهي لا تزال تشكل العناصر المكونة للعقلية السائدة، وتجعل من الصعب ليس فقط تبني الإصلاحات ولكن أيضا تنفيذها. وتعيد هذه الصور النمطية إنتاج نفسها، بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، سواء من خلال التربية الأسرية أو أدوات التعليم المدرسي أو وسائل الإعلام".

وأردفت: "أدى تطور شبكات التواصل إلى تضخيم سرعة نشر هذه الصور النمطية إلى حد كبير. ولهذا السبب تسعى الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، بطرق مختلفة إلى مواجهة التمثيل الجامد الذي يعطي عن النساء وأدوارهن في المجتمع، صورة مغلوطة تصفهن ككائنات ضعيفات وغير كفوءات وغير قادرات على اتخاذ القرارات المناسبة لأنفسهن فكيف بالأحرى للآخرين. من بين الإجراءات التي اتخذتها الهيئة في هذا الصدد، نذكر بشكل خاص وضع السياسات الحكومية المؤيدة للمرأة، كاعتماد استراتيجية المرأة في لبنان التي تم إقرارها رسميا في عام 2012، استراتيجية مكافحة العنف ضد النساء، وخطة العمل الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن، الذي أقرها مجلس الوزراء اخيرا.
كما نعمل على تسليط الضوء على الأدوار الفعالة التي تلعبها النساء في مجتمعنا ودعم تقدمهن إلى المستويات العليا في دوائر اتخاذ القرار في المجالات الإدارية والسياسية والاقتصادية. كما نسعى جاهدين لرفع نسبة الوعي لدى الرأي العام حول أحقية مطالبنا وننظم حملات إعلامية وتوعوية لدعم عملنا".

وختمت عون روكز قائلة: "ان للنساء أنفسهن أن يخضعن لتفكيرهن النقدي الصور النمطية التي يقعن ضحايا لها. وربما هذه هي المهمة الأصعب التي ينبغي إنجازها. أخيرا، لا يسعني إلا أن أؤكد من جديد أن القوانين العادلة التي تنص على المساواة، ودولة قانون تفرض تطبيق هذه القوانين، وذهنية خالية من التحيزات والأحكام المسبقة، هي شروط أساسية لتقدم قضية النساء في مجتمعاتن، وهذه تستوجب، لكي تكون مسموعة، دعم جميع القوى الحية في مجتمعاتنا".