مشكلة روحاني وظريف ومَن يدور مثلهما في فلك اللغة الزائفة أنهم لم يدركوا حتى اللحظة أن تلك اللغة لم يعد في مقدورها أن تغطي على النزعة العدوانية للنظام، الذي يحاولون التجمل بوداعته وحسن نواياه.
 

تتحدث إيران بلغة لا تمت إلى ما تفعله بصلة. فهي تقول شيئا وتفعل شيئا يناقضه. وإلا ما معنى أن تتحدث عن السلم والأمن في الخليج، وفي الوقت نفسه توجه صواريخها لضرب المنشآت النفطية السعودية؟

لدى النظام الإيراني مفهوم خاص للسياسة. يقوم ذلك المفهوم على أن السياسة كلها كذب وخداع وتضليل ومراوغة وتزييف للحقيقة. لذلك فإنه يسعى من خلال ذلك المفهوم أن يمرر أفعاله على الأرض كما لو أنها شيء منفصل.

الواقع الذي يسعى الإيرانيون إلى فرضه هو من وجهة نظرهم حق مكتسب، حتى وإن كان ذلك الواقع يجري فرضه على حساب الحقائق الجغرافية والتاريخية التي هي أساس المنطق السياسي، الذي يعتمد عليه الواقع الذي لا يراه الإيرانيون ولا يعترفون بوجوده.

إنهم يعيشون انفصالا عميقا بين ما يفكرون فيه وما يفكر فيه باقي البشر في مختلف أنحاء العالم الحديث. فهم أبناء زمن لا علاقة له بعصرنا. إنهم يختبرون مشاريعهم في بيئة عالمية تجاوزت الأفكار التي تستند عليها تلك المشاريع منذ قرون عديدة.

لذلك فإنهم يلجؤون إلى التحدث بلغة، يعتقدون أن العالم سيُقبل عليها، متناسين أن أفعالهم المباشرة على الأرض تتناقض كليا مع ما تقوله ألسنتهم.

لا يشعر الإيرانيون بأنهم يكذبون.

تلك مشكلة يمكن أن يعاني منها من يُقدر له أن يجلس على طاولة مفاوضات تجمعه بهم. فهم غالبا ما ينحرفون بالحوار عن هدفه. فهم، على سبيل المثال، يهربون من مواجهة سؤال من نوع “لماذا يناصبون السعودية العداء؟” لابد أن يكون جوابهم بالنفي.

أما عن هيمنتهم على العراق ولبنان واليمن من خلال ميليشيات تعلن، من غير حياء، عن ولائها للولي الفقيه فإنهم يوزعون الأدوار بين قادة حرسهم الثوري الذين يفخرون باستيلائهم على تلك الدول، وبين سياسييهم الذين يتحدثون عن حق تلك الدول في أن تختار نظامها السياسي المستقل.

هناك عبث إيراني لا يمكن استيعابه عن طريق المنطق السياسي.

الدولة الدينية في إيران تريد أن تفرض إرادتها على عالمنا المعاصر بأدوات وأساليب قديمة تعود إلى زمن لم يعد في الإمكان القبول بمعادلاته ونظرياته ومنطلقاته النظرية. إيران تعيش زمنا يقع خارج عصرنا الحديث.

وإذا ما كان سياسيوها يسعون إلى اللعب في الساحة الدولية من منطلق فهمهم للسياسة باعتبارهم مجالا للكذب والتضليل والخداع، فإن هناك حقائق كبرى تفند مساعيهم وتضعهم في قفص الاتهام.

حين يشرح الرئيس حسن روحاني خطته للأمن في الخليج فإنه يشير إلى “نفط المنطقة الشرقية” في السعودية. ولا يُخفى ما في تلك الإشارة من تلميحات طائفية مفضوحة. وفي ذلك لا يخرج الرئيس الإيراني “المعتدل” عن نطاق اللغة السياسية الإيرانية ذات الوجهين. لغة غبية تكشف عن رغبة في استغباء الآخرين الذين أصابهم الخداع الإيراني بالضجر واليأس.

لا يرغب الإيرانيون في التفاوض مع الأميركان الآن. هذا ما يعلنونه. لكن من المؤكد أنهم حفروا ألف قناة من أجل الوصول إلى تفاهم مسبق مع سيد البيت الأبيض الذي يخشون أن يزلّ لسانه في إحدى تغريداته، فيكشف حقيقة ما يسعون إليه.

محمد جواد ظريف، وزير خارجيتهم المعروف بمراوغاته اللغوية، سبق له وأن استقال من منصبه. كان السبب في استقالته أن هناك من يفسد عليه متعة بلاغته الكاذبة. هناك من بين صفوف النظام مَن يصرح علنا بأطماع إيران في المنطقة، وجنوحها إلى الحرب.

لقد شعر ظريف أن كل جهوده في خداع المجتمع الدولي ستذهب هباء إذا ما استمر زعماء الحرس الثوري في إطلاق تهديداتهم التي تكشف عن وضاعة الأكاذيب، التي يبني على أساسها موقفه التفاوضي مع أوروبا.

ولكن مشكلة روحاني وظريف ومَن يدور مثلهما في فلك اللغة الزائفة أنهم لم يدركوا حتى اللحظة أن تلك اللغة لم يعد في مقدورها أن تغطي على النزعة العدوانية للنظام، الذي يحاولون التجمل بوداعته وحسن نواياه.

عبثت إيران بالمنطقة بطريقة لم يعد معها السعي إلى إظهارها مدافعة عن الأمن والسلام ممكنا. وهو ما صار واضحا بالنسبة إلى المجتمع الدولي، الذي لا يزال مصدوما بالنزعة الانتحارية التي انطوت عليها عملية قصف منشآت نفطية في دولة لم تدخل مع إيران في حرب.