ما هو مستقبل لبنان بين تطورات الداخل والخارج؟
 
ليس اكتشافا علمياً  الحديث عن ظواهر الفوضى او استعادة صور مشؤومة من تجارب سيئة سبق وان مر بها البلد كلما تجلت ازمات مصيرية كتلك التي يمر بها لبنان في الظروف الراهنة. هذا الواقع ملازم للبنان كما لغيره من بلدان العالم الثالث التي لم تعرف شعوبها واحزابها تجاوز الحروب فيها وإقامة دول ونظم تحميها من اعادة انتاج نفس التجارب السلبية.
 وبهذه الحالة ليس مستغربا ان يخاف اللبنانيون كلما هبت ريح مشكلة او ازمة يشتمّ منها رائحة حساسيات طائفية لان النتيجة غالبا ما تكون معروفة بتداعياتها الكارثية.
وفي هذه المرحلة تتزايد أجواء القلق في لبنان من جراء الازمة الاقتصادية والصعوبات المالية، وبسبب الاضطراب السياسي، وأحيانا الأمني،دون ان نغفل انعكاس حال التوتر على مستوى الاقليم، مضافا اليها تراجع الثقة بين اللبنانيين في الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمعالجة واقع الهدر والفساد في بعض المرافق العمومية. وتتزايد حالة الانقسام حول مقاربات متناقضة، وفي جديد هذه المقاربات، استعادة الحديث عن الفينيقية وعن فرضية أن لبنان جزء من حالة فقهية جديدة، وعليه مسؤولية تجاه هذه الحالة، وبعض هذه المسؤولية واجب المساهمة في مقاومة الاستكبار العالمي!
 
تقول مصادر سياسية رفيعة هناك وقائع غريبة حدثت خلال الفترة الماضية القريبة زادت من منسوب القلق عند اللبنانيين، وضاعفت المخاوف من المستقبل، في الوقت الذي يعيش لبنان أجواء حساسة مرتبطة بالمعطيات المالية الدقيقة الناتجة عن الجمود الاقتصادي، وعن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على بعض الأشخاص والمصارف الذين يقدمون المساعدة لحزب الله، ومن جراء الشح الذي يطول المساعدات الخارجية المتعلقة بإيواء النازحين السوريين. 
 
 
 
وسنستعرضها بمعزل عن ترتيب الاولويات
 
الحالة الأولى: العرض العسكري الذي نفذه حزب الله من دون أي مناسبة في بلدة كيفون الجبلية التي تقع وسط الجبل في قضاء عالية، وتسريب الصور عن العرض، لا يمكن اعتباره مصادفة، نظرا للتشدد الذي يعتمده الحزب في الإبقاء على سرية أنشطته العسكرية.
 
 وتتساءل الأوساط ذاتها: لماذا تسريب الشريط المصور عن المناورة العسكرية في هذا الوقت بالذات؟ خصوصا بعد الاجتماع الذي حصل بين قيادات من الحزب التقدمي الاشتراكي وآخرين من حزب الله عند الرئيس نبيه بري، وتم الاتفاق على تنظيم الخلافات بينهما بعد قطيعة استمرت عدة أشهر، وقد ترافقت هذه المناورة مع معلومات كشف عنها الوزير السابق أشرف ريفي حول إعداد حزب الله خطط لإنشاء «جيش جديد» بعد حل سرايا المقاومة.
 
كما ترافقت المناورة مع كلام عالي السقف لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم بمناسبة تكريم طلاب متخرجين في الضاحية الجنوبية، قال فيه إن بعض اللبنانيين يرغبون بانتصار «إسرائيل» على حزب الله. وقوله يتناقض مع العداء اللبناني العارم لإسرائيل، رغم أن الكثيرين لا يوافقون على ربط لبنان بنزاعات المنطقة.
 
الحالة الثانية: تصريح وزير الخارجية جبران باسيل من نيويورك، والذي قال فيه إن عدم إدانته العدوان الإرهابي على منشآت أرامكو السعودية، ناتج عن الالتزام بسياسة النأي بالنفس. وما يعطي أبعادا لهذا التصريح، هو كون باسيل عضو في الوفد الذي يرافق رئيس الجمهورية ميشال عون الى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
 
المصادر السياسة أشارت الى خطورة هذا التصريح، على اعتبار أن النأي بالنفس كانت مقاربة تم اعتمادها في الأحداث السورية ولم يلتزم بها باسيل في عدة مناسبات فهل ما جرى من عدوان على أرامكو هو جزء من هذه الأحداث بالنسبة له؟ علما أن أغلبية دول العالم أدانت الهجوم، كما الأغلبية الساحقة من اللبنانيين.
وللبنانيين في المملكة مصالح كبيرة، ومن باب أولى بوزير الخارجية مراعاة هذه المصالح. كما أن تصريحه جاء بعد الحديث عن شروع المملكة بتقديم وديعة مالية في مصرف لبنان.
 
الحالة الثالثة ما يحصل في محافظة عكار حول الخلاف العقاري والقضائي حول بركة مياه في القرنة السوداء الى توتر بين بشري وبقاعصفرين في قضاء الضنيّة، خرج عن الإطار العادي وتحوّل الى تراشق طائفي على المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من كل هذه الوقائع التي تستوجب أقلّه تجميد أي مشروع، في إنتظار أن يقول القضاء كلمته النهائية، دخل أكثر من نائب ومن شخصيّة سياسيّة على خط الأزمة، وجرى تحويلها من نزاع عقاري بين منطقتين إلى خلاف طائفي ومذهبي، حيث تمّ صبّ زيت طائفي بين بشرّي والضنيّة لغايات سياسيّة، مع إستغلال واضح لحماس بعض الشُبّان ولإندفاعهم الغرائزي دفاعًا عن منطقتهم.
 
اما الحالة الرابعة تمثلت على المستوى الداخلي، بردّة الفعل التي ظهرت عند القوى المسيحية بسبب سحب مشاريع تعود إلى مناطقهم وبسبب طرح إقتراح قانون بتعديل قانون الانتخاب المعمول به والمسارعة إلى توحيد هذه القوى من معراب إلى ميرنا شالوحي والصيفي وصولاً إلى بنشعي لمنع عبور الاقتراح المذكور نحو الهيئة العامة بذريعة واهية انه يتعارض مع الميثاقية أولاً ثم فضلاً عن الضرر الذي يلحقه بالطائفة المسيحية التي خاضعت حرباً ضروساً حتى أقرّت القانون المعمول به حالياً بوصفه أعاد وبعد عقود الحق للمسيحيين في التمثيل النيابي.
 
هذه الوقائع لا يمكن فصلها عن مجرى التطورات السلبية الأخرى التي يعيشها لبنان، وستزيد من حالة القلق عند اللبنانيين، كما ستساهم في حالة الاختناق الاقتصادي القائم.
وبصرف النظر عن حجم المخاطر التي تواجه لبنان، نتساءل هل يعتقد من هم في موقع المسؤولية أن اللبنانيين مغتبطون بمواقفهم في هذا الوقت بالذات؟ وهل يمكن التسليم لهم بأخذ لبنان بالكامل باتجاه يعادي الواقع العربي. ولبنان جزء لا يتجزأ من هذا الواقع؟