إشتـروا أدمغتَكُمْ... إنّـه التعبير الذي يُطلقُه المصريّون على مَـنْ يتحدَّثون ببلاهة عـن أمـرٍ بحـجمِ المستحيل..

وبحـجمِ الفساد الذي تلوَّثت بـهِ الأدمغةُ المسؤولة عندنا، أصبحت معّرضةً للكساد، ولا ننصح بشرائها.

يوم كان في لبنان أدمـغة، دعـا أحدُ كبرائها الشيخ موريس الجميل إلى إنشاء بنك للأدمغة اللبنانية ليَستدينَ منـهُ العالم.

ويوم تلطّخ العقل بالدنَس، أصبح لبنان الوطن ولبنان الشعب برسم البيع.

أرهَبُ مشهدين تداولتْهما وسائلُ الإعلام أخيراً:

- والـدٌ يعرض إبـنهُ للبيع بثمانية آلاف دولار لإعالةِ الآخرين من إخوته.

- مئةٌ وخمسون شاباً من طرابلس يعتصمون أمام السفارة الكندية مطالبين بفتح أبواب الهجرة.

عندما يبطل أن يكون الوطنُ قيمةً إنسانية وحضارية وحياتية، ويصبح مقبرةً للأحياء وسوقاً لتجارة العبيد، فلا بـدَّ من أن يفتِّش المواطنون عن وطـنٍ آخر يجسّدون فيه حضورهم الإنساني وكيانهم البشري.

المشكلة التاريخية الكبرى، أننا منذ عهود طوال نعيش في دولة بلا نظام، الفساد فيها مذهب سياسي متوارث، كما كانت الملكية في القرن التاسع عشر لصّاً يحميه القانون.

القانون عندنا فرمَانٌ سلطاني توارثناه مـنْ قبلُ عـنِ العثْـمنةِ والإنتداب، وفي عهد الوصاية من بعد على الملكِ القاصر، ذهبتِ القوانين والشرائع والمواثيق مع الريح... ومع الريح الشرقية نزحَتْ.

للدساتير في الدول المتحضِّرة الراقية، قيَـمٌ روحية تشبه ما في المصاحف والأناجيل، والرئيس الأميركي أندرو جونسون طلب أن يُدفَن والدستور الأميركي تحت رأسه.

عندنا... على حياتهم يدفنون الدستور حيّاً ، يمثّلون في جثِّـتهِ، وفي الدوائر الرسمية يقيمون عن نفسه مجالس العزاء.

لا تدرك جمعية الدفن الدستوري، أنَّ خطر هذا الإنهيار البنيوي للدولة، يفوق بما هو أدهى خطورةَ الإنهيارِ المالي والإقتصادي، بحيث بات يتناول زوال خصائص الوطن ومقومات وجـوده التي من دونها يصبح أرضاً قاحلة بلا قيمة، وشعباً بلا حضارة وبلا مستقبل وتاريخ.

كثيرون يقارنون بين ما كان عليه لبنان الماضي وما انتهى إليـه لبنان الحاضر، على اعتبار أن الحاضر حصيلة الماضي، في مآثره كما في خيْـبتهِ وانحطاطه، ومن غريب معاكسة تطوّر التاريخ، أننـا نعيش الحاضر الإنحطاطي في وطن ما كان في ماضيه إلاّ مجداً للتاريخ، وبـهِ تغنّى المجـد.

الحاضر عندنا والمستقبل محكومان بشراء أدمغةٍ غيـرِ تلك المعروضة في سوق النخاسة للبيع، وفي الإنتظار ، لا يُجدي العلاج بالمحاورة على غرار الحوار الذي أجراه الخوري سمعان مع الشيطان في إحدى روايات جبران خليل جبران.

بل، بإطلاق النار تمـثُّلاً بما أعلنه رئيس دولة الفيليبين منذ حين ، عندما سمح للمواطنين بإطلاق النار على كل مسؤول يطالبهم بالرشوة.