في الوقت الذي كان فيه مجلس الوزراء يتقدّم في اجراء تخفيضات على أرقام موازنات الوزراء ويهدد رواتب موظفي القطاع العام بالتخفيض مجدداً، وتعلن وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني الاقتراب من دخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط في كانون أوّل المقبل، كانت الأنباء تتطاير عن عودة نقابات اصحاب الصهاريج واستيراد المحروقات إلى الإضراب، بين مفتوح أو تريث بانتظار الاجتماع الذي يعقد عند الثالثة من بعد ظهر اليوم مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بالتزامن مع إنتهاء زيارة الرئيس ميشال عون إلى نيويورك، حيث ترأس وفد لبنان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
 
كل ذلك على وقع، طفرة في وضعية الدولار الأميركي في الأسواق اللبنانية، بين سعر وسطي، يحدده مصرف لبنان، وسعر على غاربه لدى الصيارفة ومؤسسات النشاط المالي والاقتصادي، وسط انقسام، عبرت عنه نقابات المحطات والمستوردين والموزعين للمحروقات، يجري ضغط بدءاً من اليوم على المحطات الخاصة بتوزيع البنزين والمازوت وسائر المشتقات النفطية.
 
لكن فادي أبو شقرا ممثّل شركات موزعي المحروقات قال لا إضراب اليوم، ونحن مع متابعة الحوار، وسيكون اجتماع مع الرئيس الحريري.
 
وازاء هذا الوضع، سرت إشاعات ان اقفالا للمدارس والجامعات، بسبب أزمة المحروقات، سرعان ما بدده تأكيد وزير التربية والتعليم العالي.
 
وتنادت هيئات في المجتمع المدني للاجتماع غداً لتنسيق النزول إلى الشارع، والمطالبة برحيل الطبقة السياسية.
 
هكذا، بدا المشهد ليلا، البنزين يُهدّد بحرق الاستقرار، بعد تفلت سعر صرف الدولار من رقابة المركزي في الأسواق.
 
الموازنة على إيقاع الشارع
 
وعلى إيقاع تهافت غير مسبوق على محطات البنزين مما تسبب بازدحام خانق في الشوارع والطرقات في العاصمة والمناطق ترافق مع حالات احتجاج شعبية على خلفية أزمة شح السيولة بالدولار، مما جعل سعره في الأسواق الموازية يقفز عن السعر المحدد رسمياً، اقترب مجلس الوزراء في جلسته أمس من الانتهاء من مناقشة مشروع موازنة العام 2020، بعدما أنجز تخفيض النفقات في 15 وزارة، باستثناء وزارة الصحة، وبقي منها فقط 5 وزارات، علىان تكون الجلسة الأخيرة يوم الاثنين المقبل، بحسب ما توقع وزير المال علي حسن خليل.
 
لكن الحكومة باشرت عبر اللجنة الوزارية الفرعية البحث على خط مواز في أوراق الإصلاحات التي قدمها الفرقاء السياسيون.
 
وتركز البحث في اجتماع اللجنة، وهو الأوّل لها، على جملة مقترحات لم يتقرر فيها شيء تتعلق بزيادة الواردات وخفض النفقات.
 
وعلمت «اللواء» ان بعض البنود الاصلاحية سيتم دمجها في الموازنة اذا تم التوافق حولها، وبعضها الاخر سيحال كمشاريع قوانين الى المجلس النيابي. وسيتم البت بهذه المقترحات في جلسة الاثنين، وقد كان من ضمن المقترحات:زيادة رسم الضريبة على القيمة المضافة على الدخان وبعض السلع الكمالية والفاخرة، تنفيذ خطة الكهرباء بما يؤدي الى خفض العجز،زيادة رسم الحد الادنى على صفيحة البنزين بما يرفع سعرها الى 750 ليرة فقط، تجميد زيادة الاجورمدة زمنية او الغاؤها، ورفع الحسومات التقاعدية من 6 الى 8 في المائة.
 
لكن المصادر الوزارية شددت على ان هذه المقترحات لا زالت قيد الدرس ولم يُتخذ اي قرار بها لا سيما زيادة سعر البنزين لوجود اكثرمن رأي، حيث يرى بعض الوزراء ضرورة وضع ضوابط لسعر الصفيحة ويرى اخرون رفع السعر لكن بالحد الادنى الممكن. ويُفترض ان يتم اتخاذ القرارت بهذه المقترحات خلال جلسة الاثنين المقبل.
 
عون يعود اليوم والحريري إلى باريس
 
وذكرت بعض المعلومات ان الرئيس سعد الحريري قد يغادرعصر او مساء اليوم او صباح غد السبت الى باريس، للمشاركة في مراسم دفن الرئيس الفرنسي الاسبق الراحل جاك شيراك، فيما أنهى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون زيارته إلى نيويورك، بعدما شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والقى كلمة لبنان واجرى سلسلة محادثات ويتوقع ان يصل الرئيس عون الى بيروت صباح اليوم الجمعة.
 
واوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان سلسلة ملفات يتابعها رئيس الجمهورية فور عودته الى بيروت. واكدت انه كان مرتاحا لهذه المشاركة التي ابرزت المقاربة اللبنانية لملفات المنطقة ولا سيما موضوع النازحين السوريين بعدما تحدث مباشرة عن التواصل مع الدولة السورية اذا لم يكن المعنيون من دول العالم والمنظمات الدولية قادرين على مساعدة لبنان.
 
واشارت الى انه ليس معروفا ما اذا كان من آلية محدده عن التواصل في هذا المجال بإنتظار ردة الفعل الدولية على ما قاله الرئيس عون، في حين ان ردة الفعل المحلية، بقيت مكبوتة، ولم يصدر أي رد فعل رسمي أو سياسي، على رغم قناعة بعض القوى السياسية، من ان موقف عون من شأنه ان يعمق الهوة بين اللبنانيين أنفسهم.
 
جلسة منتجة
 
 
ووصفت مصادر وزارية جلسة مجلس الوزراء بالهادئة والمنتجة، حيث اقتصر النقاش على موازنات الوزارات التي تمت مناقشتها منذ اشهر قليلة ضمن موازنة 2019، واشارت المصادر ان لا شيء جديداً سوى بعض التخفيضات على أغلب الموازنات فبعضها بقيت كما كانت في موازنة 2019 والبعض الاخر تم تخفيضها باستثناء وزارة الصحة التي زادت موازنة الدواء 10مليارات كذلك 10 مليارات على موازنة الاستشفتاء مع العلم ان اخر مرسوم صدر لتوزيع مبلغ الاستشفاء كان في العام 2016.
 
وتوقعت المصادر ان ينتهي البحث في أرقام مشروع الموازنة في الاسبوع المقبل، وتبقى هناك امور كبيرة تحتاج الى نقاش كملف دعم كهرباء لبنان وموضوع الاتصالات ووارداته في الموازنات الملحقة والخطوات الاصلاحية الاجرائية الكبرى التي ستكون ضمن الموازنة اضافة الى موضوع فذلكة الموازنة.
 
واشارت المصادر الى ان مجلس الوزراء لم يتطرق الى مناقشات لجنة الاجراءات الاصلاحية التي ناقشت اقتراحات عامة وستستكمل مناقشاتها أيضاً يوم الاثنين المقبل.
 
لجنة الإصلاحات
 
وانضم إلى اجتماع لجنة الإصلاحات الوزير صالح الغريب بحيث بلغ عدد أعضائها ثمانية وزراء يمثلون مختلف الكتل البرلمانية، وتركز الاجتماع على البحث في 5 نقاط بحسب وزير الاتصالات محمّد شقير وهي: تجميد زيادة الرواتب، زيادة الحسومات التقاعدية، زيادة ضريبة القيمة المضافة على الكماليات وفرض رسوم على الدخان والبنزين، ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأن هذه النقاط بعد».
 
واكدت مصادر وزارية شاركت في الاجتماع الاول على اهمية عمل هذه اللجنة التي ستكون داعمة لجلسات مجلس الوزراء المخصصة لدرس مشروع موازنة 2020، وكشفت ان ما تم مناقشته في اجتماعها الاول امس هي مواضيع هامة كالخصخصة والتهرب الضريبي والجمارك ونظام التقاعد ووضع المؤسسات العامة ووضع رسوم محددة على بعض السلع.
 
وكشفت انه تم طرح موضوع تجميد الرواتب لثلاث سنوات أو الغاء الزيادة على الرواتب، فالتجميد يعني انه يمكن اعادة دفعها للموظفين بعد ثلاث سنوات، ولكن المبالغ تكون تراكمت بشكل كبير، ولم يتم التوافق على احد هذين الطرحين ولكن الاكيد ان هناك حفظ حق الموظف بالتدرج دون زيادة راتبه، واعطت المصادر مثلا بانه من حق الضباط الترقية ولكن دون زيادة في رواتبهم ولكن بعد ثلاث سنوات تتم زيادة الرواتب بشكل طبيعي.
 
اما بالنسبة الى زيادة الرسوم على البنزين فاشارت المصادر ان هناك اقتراحا لزيادة 3% وكذلك ان يكون هناك حد ادنى وحد اقصى للزيادة فإذا انخفض سعر البنزين تربح الدولة اما اذا ارتفع فالدولة تدفع ويثبت السعر على الحد المرتفع. وتوقعت المصادر ان تكون هناك اجتماعات متتالية ومكثفة للجنة الوزارية.
 
أزمة الدولار والعقوبات
 
وفيما لم تتوافر معلومات دقيقة عن محصلة اجتماع اللجنة الوزارية الخاصة بدفاتر شروط إنشاء معامل إنتاج الكهرباء، باستثناء تأكيد وزيرة الطاقة ندى البستاني بأنه تحقق تقدّم في وضع دفاتر الشروط، متوقعة ان تكون جلسة اليوم للجنة نهائية قبل الذهاب إلى مجلس الوزراء، كان لافتاً للانتباه الاجتماع الذي جمع الرئيس الحريري بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حيث تركز البحث على موضوع شح الدولار، والذي وصل، بحسب المعلومات إلى مستوى قياسي في الأسواق خارج المصارف، لكن الحاكم سلامة نفى وجود أزمة دولار، عازياً ما يجري إلى عمليات المضاربة التي تتم نتيجة عدم وجود ثقة بين النّاس الذين تحدث بعضهم ان سعر ما هو متوافر في السوق، غير ما هو مدون على الورق سواء لدى مصرف لبنان أو المصارف وهو 1507 ليرة للدولار، في حين ان بعض الصيارفة تداول بسعر يفوق 1600 ليرة بالدولار، وهو أعلى مستوى وصل إليه حتى الآن.
 
وفي السياق، لوحظ في كواليس «حزب الله» حملة على أداء سلامة الذي تصفه مصادر في الحزب بأنه متماهي مع العقوبات الأميركية، ولا سيما في معالجة أزمة «جمّال ترست بنك» بعد وضعه على لائحة الإرهاب الأميركية.
 
ولفتت المصادر إلى ان نفي الموفد الأميركي مساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلينغسلي المعلومات المتداولة عن توجه بلاده لفرض عقوبات على ثلاثة مصارف لبنانية، لم يقنع كبار المسؤولين اللبنانيين الذين كانت لديهم معلومات تؤكد عزم واشنطن على اتباع سياسة تطويق المصارف التي تفترض انها تؤيد حزب الله.. معتبرة ان الأزمة المالية في لبنان لم تعد مزحة، وهي كبرت إلى حدّ ان الثنائي الشيعي يبحث جدياً عن حلول لإعادة تعويم السوق الاقتصادي وحماية كبار رجال الأعمال الشيعة وغير الشيعة من المقربين من الحزب من العقوبات الأميركية، وواحد من الحلول يتم التداول بها توجه هؤلاء لتحويل اموالهم إلى «اليورو» والتعامل به كعملة بديلة عن الدولار.
 
أزمة محروقات تحرك الشارع
 
في هذا الوقت ضج البلد باخبار توقف أصحاب محطات المحروقات عن تأمين الوقود للسيارات احتجاجاً على تأخر الرئيس الحريري في إعطاء الجواب لهم بالنسبة لحل مشكلة التسعير بالدولار، بدل الليرة اللبنانية، علماً ان مصرف لبنان كان يعتزم إصدار تعميم الثلاثاء المقبل لتنظيم عمليات استيراد المحروقات والطحين.
 
ورغم ان المعلومات أكدت ان الرئيس الحريري اتصل مساء بحاكم مصرف لبنان، وتم الاتفاق على آلية معينة سيتم ابلاغها لقطاع المحروقات خلال اجتماعهم اليوم، فإن بعض شوارع بيروت والضواحي والمناطق اللبنانية كافة، شهدت زحمة سير كثيفة بسبب اكتظاظ السيّارات على محطات الوقود، حيث اقفل بعضها في بيروت ورفعت خراطيمها، فيما اصطفت طوابير السيّارات امام المحطات التي توفّر لديها هذه المادة الملتهبة.
 
والغريب ان حمى التهافت على البنزين الذي لم تنج منه منطقة لبنانية، تزامن مع عمليات قطع طرقات بالإطارات المشتعلة في الضاحية الجنوبية (مستديرة المشرفية) وطريق عام بعلبك- رياق احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية ووقفات احتجاجية في صيدا، بالإضافة عن شائعات بإقفال المدارس والجامعات، اليوم على خلفية أزمة المحروقات، لكن وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب سارع إلى نفي ما يتم تداوله عن إغلاق المدارس والجامعات الرسمية والخاصة، معتبرا انه «كلام مفبرك وعار من الصحة»، مؤكداً ان اليوم هو يوم تدريس عادي في جميع المدارس والجامعات في لبنان.
 
كذلك نفت غرفة التحكم المروري ما يتم تداوله عن قطع للطرقات لإسقاط الحكومة، وعزت زحمة السير إلى التهافت على محطات الوقود.
 
تجدر الإشارة إلى ان الشركات المستوردة للنفط أعلنت في بيان ان اليوم هو يوم عمل طبيعي وسيتم تسليم كل المشتقات النفطية إلى المحطات، في حين أعلن رئيس نقابة أصحاب محطات الوقود سامي البراكس ان القرار بالإضراب المفتوح اتخذ بالاكثرية، اعتبارا من مساء أمس، لكن ممثّل شركات موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أكّد «اننا لسنا ملزمين بما أعلن البراكس ولا اضراب بانتظار مبادرة الحريري».