تحوّلت الجلسة التشريعية أمس الى حلبة صراع مذهبية مفاجئة بعد أن «تكتّل» فيها النواب «المسيحيون» المتخاصمون وتضامنت كتلُهم بسحر ساحر، إذ وحّدهم المطلبُ المناطقي الإنمائي في جبل لبنان والمتن الشمالي، وهو كان البند الأوّل على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي عُقدت أمس في ساحة النجمة. المشروع أثار حفيظة رئيس الحكومة فاعترض على تمويلِه، داعياً المعنيين والكتل والنواب المؤيّدين لمشاريع مماثلة في تلك المناطق (أي جبل لبنان) «الإنفاق من كيسهم» وليس من «جيبة الحكومة المفلسة».
 

تفاجأت «الكتل المسيحية» بموقف الحريري، خصوصاً منها حليفه المفترض أي «التيّار الوطني الحر»، بالإضافة الى كتلة نواب الكتائب و«القوات اللبنانية»، ويبدو بحسب مصادر مقرّبة من «التيار الأزرق» أنه بوصول المناقشة الى البند السادس في جدول الأعمال الذي يموّل مشروعاً في منطقة الضنّية، امتنعت «الكتل المسيحية» عن التصويت عليه، معترِضة، وعلى قاعدة المعاملة بالمثل، فثارت ثائرةُ رئيس الحكومة واستشاط غضباً وقذف أوراقاً تكدّست أمامه وغادر القاعة بعد سجالٍ حادّ بينه وبين النائب ابراهيم كنعان الذي قال «إذا بدك تسحب بند (1) أي المشاريع المتعلقة بجبل لبنان والمتن الشمالي، فلماذا لا تسحب ايضاً تمويل المشاريع المتعلقة بالمناطق الأخرى على قاعدة الإنماء المتوازن في كافة المناطق اللبنانية»، وانتقد تبرير الحريري بأن لا أموال في الخزينة، وبالكلفة المرتفعة للمشاريع وأنّ الحكومة غير قادرة على تكبّدها .

لكنّ كنعان أصرّ على التصعيد، معتبراً أنّ التأخير في تنفيذ تلك المشاريع هو الذي سيشكّل ضرراً على المالية العامة جراء بنود جزائية، وليس سحب المشروع.

وكانت المشهدية بعد الجلسة في المؤتمر الصحافي الذي جمع نواب جبل لبنان ونواب الكتائب و«القوات اللبنانية»، لرواية ما حدث، رافضين تصرّفَ رئيس الحكومة. وقد عبّر كل من النواب سامي الجميل، اغوب بقرادونيان، ادي ابي اللمع، ادكار معلوف، شامل روكز، على طريقته عن اعتراضه. وتوجّه كنعان الى الحريري بالقول «لا يمكن لحكومتك أن تكون بوجهين، لأنّ المشاريع الإنمائية مقرّة في الحكومة منذ 2014، وهناك مشاريع متوقفة وتنتظر التمويل»، فيما أبدى الجميل أسفه لاسترداد الحكومة مشاريع تتعلق باعتمادات لاستكمال مشاريع في جبل لبنان وفي المتن مقرَّة سابقاً وسبق تنفيذها.

في المقابل، حاول عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجّار مقاطعة كنعان متّهماً إياه بـ«التعدّي على صلاحيّات رئيس الحكومة»، فأجاب كنعان: «لا نعتدي على صلاحيات أحد و«هيدا مش تعامل ولغة التعالي ما بتمشي معنا». فاتخذت المشكلة منحىً طائفياً ومناطقياً، الأمر الذي أزعج الحريري.
وبعد تدخّل وزير الماليّة علي حسن خليل وعدد من النواب لتهدئة الأجواء، عاد الحريري للمشاركة في الجلسة التشريعيّة.

في المقابل سُجِّلت خلوة بين النائبين ابراهيم كنعان وجورج عدوان داخل قاعة الهيئة العامة، قبيل الجلسة التشريعية، استمرت حوالى العشر دقائق.

الحريري يفاجئ التيار

علّق معظم النواب على تصرف الرئيس الحريري المفاجئ، مستغربين كيف أنّ مجرد الاعتراض دفع به الى «الحرد»، حتى إنّ وزير المال لم يفلح في تهدئته وثنيه عن مغادرة الجلسة.

و«حزب الله» يفاجئ الجميع

توقف المراقبون أمس عند التكاتف المسيحي، كما إستوقفهم، ايضاً سقوط صفة العجلة عن البند 18، وهو القانون المقدَّم من النائب جورج عدوان الرامي الى تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الادارات العامة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة.

وكانت المفاجأة في عدم تصويت كتلة «الوفاء للمقاومة» على إقتراح المشروع، وهي السبّاقة للمطالبة به، فيما صوّت عليه حلفاؤها في كتلة «التنمية والتحرير» بالإجماع! الأمر الذي دفع بالوزيرة مي شدياق والنائب جورج عدوان الى تذكير نواب «حزب الله» بأنّ وزير التنمية للشؤون الادارية محمد فنيش هو الذي وضع الآلية في مجلس الوزراء.


وقال عدوان للنواب في الجلسة «إذا كانوا يريدون الدولة والشفافية والكفاية في التعيينات الادارية، فواجبهم التصويت على المشروع، إلّا إذا كانوا يفضلون المحاصصة والزبائنية». فأتاه الجواب بالتصويت الايجابي من نواب «امل» و«القوات» والكتائب والاشتراكي والنواب المستقلين.

... وينفي

وأوضح «حزب الله» لـ«الجمهورية» انه لم يصوّت على اقتراح القانون لأنه يرفضه، بل صوّت على إسقاط صفة العجلة عنه، لأنه يستحق النقاش لبضعة اشهر للتدقيق في التفاصيل التي فنّدها عدوان. وأكد أنّ كتلة «الوفاء للمقاومة» ما زالت تؤيّده، وستثبت ذلك في المناقشات خلال اجتماع لجنة الادارة والعدل التي حُوّل اليها الاقتراح.

وأصرّ عدوان من خارج القاعة على أن لا شيء يثنينا عن المضي بالاقتراح، ولن نيأس، وخلال شهر ستحيله لجنة الإدارة والعدل الى الهيئة العامة وليتحمل الجميع مسؤوليته ولن نقبل بالمحاصصة.

أجواء الجلسة

وبالعودة الى الجلسة التشريعية أمس التي بدأها النواب بتلاوة الاوراق الواردة ومداخلات النواب وبعد استرداد الحكومة البند الأول الذي يتعلق باعتمادات لاستكمال مشاريع في جبل لبنان، تمّ إقرار البند السادس المتعلق بإنشاء سدّ في الضنية مع اعطاء مهلة شهر لوزارة العدل لإنشاء لجنة تحقيق في هذا الموضوع، كما أقر مشروع القانون المتعلق بتصفية المعاش التقاعدي لأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية الخاضعين لشرعة التقاعد.

كذلك أُسقطت صفة العجلة عن اقتراح قانون وزير الخارجية جبران باسيل لوقف تثبيت الناجحين بمباريات مجلس الخدمة المدنية ورُدّ إلى اللجان. وسقط اقتراح تعديل قانون الإيجارات.

ميقاتي يدافع عن الحريري

دافع رئيس الحكومة السابق عن الرئيس الحالي بالقول «له الحق وحده في طلب سحب أيّ بند، وفي قول ما قاله، وكل الكلام الذي قيل من السادة النواب الذين اعترضوا خلال النقاش باطل، وما بني على باطل لا يعتد به».

أما التصفيق في نهاية الجلسة التشريعية فكان لوزير الشؤون الإجتماعية ريشار قيومجيان الذي زفّ لاحقاً الخبر الى اللبنانيين عبر صفحته على «تويتر» وخاصة الى ذوي الاحتياجات الخاصة وجميع المستفيدين من تقديمات الرعاية الاجتماعية إقرار المجلس النيابي االقانون المعجّل المكرّر الرامي الى نقل اعتماد من فصل الى فصل من موازنة الوزارة للعام 2019 ما يعني زيادة مبلغ 35 مليار ليرة لمؤسسات الرعاية.