هل قرّر الحزب إسقاط التسوية مع تَبدُّل ظروف ولادتها، أم انه يحاول تحسين شروط دوره.
 
 في الوقت الذي يعاني فيه اللبنانيون ما يعانون من مصاعب ومتاعب وهموم على كل المستويات، إجتماعياً ومالياً، ويخشون على مستقبلهم ومستقبل أولادهم في دولة قررت فيها السلطة ان تتنازل عن دورها  وفي الوقت الذي يتم فيه ارسال رسائل التهديد للاشقاء العرب  ونطلب منهم بالتالي مد يد العون والمساعدة .
 
مما لاشك فيه ان هذا الامر يشكل معادلة عجيبة وفي ظل تاكيد المسؤولين على موضوع النأي بالنفس لا ينفك حزب الله يوجه رسائل التهديد تارة للسعودية وتارة للامارات العربية المتحدة وهذ على لسان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله دون ان ننسى دور الاعلام الذي يدور في فلك الحزب ،والغريب ايضاً انه في الوقت الذي يزور رئيس الحكومة سعد الحريري المملكة بحثا عن بعض المساعدات التي لم تبخل بها، وقد استبق وزير المال السعودي محمد الجدعان الزيارة بالاعلان عن محادثات تجري مع حكومة لبنان بشأن تقديم دعم مالي، وتستعد الامارات، اذا بقيت على استعدادها بعد رسالة التحذير الموجهة اليها من بيروت عبر احدى المقالات بوجوب الامتثال للقرار الايراني بالخروج من التحالف والانسحاب من اليمن او انتظار حصتها من الهجوم العقابي القاسي، لضخ جرعة دعم مادية عبر وديعة في المصرف المركزي.
 
والغريب في الموضوع، ان مشروع مساعدة لبنان الذي هبّت الدول العربية لتلبية النداء الفرنسي فور اطلاقه عبر مؤتمر سيدر، يرتكز في شكل اساسي على هذه الدول تحديدا فكيف لها ان تلتزم وعودها وتقدم اموالها للبنان الذي لم تخرج لا رئاسته ولا حكومته لاستنكار التعرض لمنشآت ارامكو في المملكة، لا بل حوله حزب الله الى صندوق بريد يقوم بنقل الرسائل بشكل مباشر من دون ان ينبس اي من مسؤوليه ببنت شفة رفضا او استنكارا، حتى بدت السلطة الرسمية وكأنها في موقع اما الموافق على تجاوز مبدا النأي بالنفس واطلاق العنان لاطلاق التهديدات في حق الاشقاء او العاجز حتى عن توجيه اللوم الى نصرالله على توريط لبنان في أخطر لعبة اقليمية  دولية على الاطلاق.
 
 
 
والمضحك المبكي، كما تضيف المصادر ان كل التصعيد والتهويل من جانب حزب الله يجري، فيما كان رئيس الحكومة في باريس، ساعياً لتحفيز سيدر وتسريعاً لضخ امواله في بيروت على امل انتشالها من قعر الهاوية الاقتصادية الواقعة فيها، وقد سمع كلاما ونصحاً فرنسيا في هذا الاتجاه ودعوة للحفاظ على الاستقرار وعدم السماح بتحويل لبنان الى صندوق بريد. 
 
فالى اين يأخذون لبنان لأن مخاطر اسقاط مبدأ النأي بالنفس سترتد على الجميع، وخصوصاً على مواطنيه وناسه الذين يئنون من الضائقة الاقتصادية التي يرزحون تحتها ، وإذا لم يحرِّك المسؤولون ساكناً، فإن لبنان سيكون أمام ثلاثة احتمالات 
الاحتمال الأول حَجب المساعدات الدولية عنه ورفض مدّ يد العون له، ما يعني مواصلة السير باتجاه الهاوية.
الاحتمال الثاني توسيع العقوبات لتشمل لبنان الرسمي والتعامل معه على غرار التعامل مع إيران وبشار الأسد، ما يعني الانهيار الحتمي والسريع.
الاحتمال الثالث نقل الحرب الإقليمية إلى لبنان وحروب الآخرين على أرض لبنان، ما يعني الفوضى والانهيار وعدم الاستقرار.
 
ولعلّ أكثر ما يثير العجب والاستغراب انّ حزب الله يحاول فرض إيقاعه وشروطه وهو في أضعف لحظة سياسية، إن بفِعل العقوبات التي تحاصره، أو بسبب الضغوط غير المسبوقة على طهران، أو لأنّ الانهيار ليس من مصلحته باعتباره يشكّل مقدمة لمحاصرته، أو لأنّ خياراته الداخلية معدومة، بمعنى أن لا بديل من الحريري في رئاسة الحكومة وإلّا الانهيار.
فلكل هذه الأسباب وغيرها يجب العودة سريعاً إلى جوهر تسوية عام 2016 وروحيتها بغض النظر عن ملائمتها ومشروعيتها، هذه التسوية المهددة بالسقوط بفِعل إسقاط حزب الله أحد أبرز عناصرها ومرتكزاتها القائمة على سياسة النأي بالنفس. فهل قرّر الحزب إسقاط التسوية مع تَبدُّل ظروف ولادتها، أم انه يحاول تحسين شروط دوره، وفي الحالتين التسوية باتت مهددة، فما هي المصلحة من جعل لبنان صندوق بريد  الامر الذي سيؤدي الى تكريس  وضعه في عين العاصفة؟