فجأة تحول حزب الله الى حزب لبناني (بالمعنى الاقتصادي)، يتأثر جمهوره بكل ما يصيب البلد من اخفاقات وازمات مالية وصفقات وهدر وسرقات ويناله منها ما ينال الشعب اللبناني بشكل مباشر، وذاق اخيرا طعم نتائج الفساد.
 

بالدقة العلمية، وبالعودة إلى مرحلة ما قبل انتخاب الرئيس عون ووصوله إلى قصر بعبدا، ومن دون الحاجة للتذكير بمقولة النائب المُقال نواف الموسوي عن دور سلاح حزب الله بذلك، وما مارسه الحزب من ضغوط هائلة وتعطيل الانتخاب لأكثر من سنتين عبر عدم إكمال النصاب خلافا لكل معايير اللعبة الديمقراطية، والدعم اللا محدود الذي تلقاه ميشال عون من السيد حسن إلى حد التسبب بإحراج ضخم لحلفائه (بري – فرنجية)، كل هذا يخولنا القول بأن هذا العهد هو " دعهد حزب الله" بامتياز .

 

وأما عن دور سمير جعجع وسعد الحريري بوصول عون الى الرئاسة فهو لا يعدو أكثر من محاولة منهما لتجميل قرار الاستسلام لأمر واقع ومفروض وحاصل، عل بمشاركتهم الصورية بذلك، يساهم بحسب اعتقادهم من التخفيف من وقع "الهزيمة" أولا، واحراج الرئيس المفترض بعد ذلك للتعاطي معهم كشركاء وليس كخصوم مما قد يؤدي إلى التقليل من الخسائر عليهم وعلى البلد ! 

 

ولا أجد مفرا من التذكير هنا، بأن انتخاب ميشال عون قد سبق الانتخابات الاميركية بأيام قليلة، ومن المؤكد أن حزب الله كما كل المراقبين والمتابعين ومراكز الدراسات والاحصاءات كانت تتوقع إلى حد التأكيد وصول كلينتون إلى البيت الابيض واستحالة وصول دونالد ترامب، مما يعني استمرار لنهج الرئيس السابق باراك أوباما وعلاقة اميركا المميزة مع الجمهورية الاسلامية وغض النظر عن تمدد نفوذها بالمنطقة، وتدفق المال الايراني الوفير على اتباعها (طالما بايران في فلوس، يعني معنا في فلوس) وبالتالي فإن حزب الله كان لا يرى من وصول ميشال عون إلى بعبدا إلا عودة لعهد ايمل لحود والتنعم السياسي مرة جديدة بالامساك بالكرسي الاولى في لبنان، بعد إخضاع الكرسي الثالثة، وهذا كله من باب الترف السياسي وليس كما يتوهم البعض من باب الحاجة لما يسمونه بالغطاء المسيحي أو غير المسيحي، فالحزب يعتبر أن غطاءه الاساسي وشرعية وجوده مستمد حصرا من سلاحه وحضوره الامني بالدرجة الاولى، متقدمة هذه المشروعية  حتى على الاحتضان الجماهيري له من بيئته الحاضنة.

 

إقرأ أيضًا: الطريق الى التفاوض يمر بأرامكو

 

لم يكن حزب الله يبالي، بالمشروع  "الاصلاحي والتغييري" عند التيار الوطني الحر، فإذا ما حصل بعد وصول ميشال عون  نوع من التغيير والتحسن وانحسار بعض أماكن الهدر والفساد في البلد كالذي طالما ناد به التيار،  فهو نور على نور، واذا لم يحصل وقرر التيار الدخول الى منظومة الفساد وصار واحدا منها، فالحزب غير معني ولا يخسر شيئا، وان الحصة التي سيسعى  التيار تحصيلها لنفسه، ستكون حتما من حصص باقي افرقاء "المافيا" المتحكمة، وعليه يستطيع هو أن يلعب حينئذ دور المايسترو والموزع "العادل" للحصص فيُرجع اليه عند كل تضارب مصالح ليتحول بذلك الى حاجة عند الجميع وضرورة لا بد منها، مع الاخذ بعين الاعتبار أن الدورة الاقتصادية للحزب وجمهوره الواسع هي بمنأى عن  مجريات النهب المنظم  والمسكوت عنه، فلا ضير حينها بما يجري من تسيب ونهب.

 

ما حصل ولم يكن بالحسبان، هو وصول ترامب الى البيت الابيض، الخروج من الاتفاق النووي، عقوبات اقتصادية قاسية جدا على ايران، عقوبات متشددة جدا على حزب الله، ( ما بقى في فلوس بايران، يعني ما بقى في فلوس مع الحزب)،،، وفجأة تحول حزب الله الى حزب لبناني ( بالمعنى الاقتصادي )، يتأثر جمهوره بكل ما يصيب البلد من اخفاقات وازمات مالية وصفقات وهدر وسرقات ويناله منها ما ينال الشعب اللبناني بشكل مباشر، وذاق اخيرا طعم نتائج الفساد . 


مما يعني أن الحزب صار مطالبا من جمهوره قبل أي أحد آخر بتحمل المسؤولية عن كل ما يجري، وصار يتطلع هذا الجمهور الى كل موبقات العهد (وباقي الحلفاء)، وما يرتكبه بحق المالية العامة على أن الحزب شريك فعلي بما وصلت اليه البلاد من تردي وفقر، وأن الاكتفاء بالتلويح بملفات حسن فضل الله تحولت الى نكتة سمجة لم تعد تنطلي حتى على الاطفال، وان كل الوعود بمحاربة الفساد هي وعود "غير صادقة"، وهذا ما يفسر ولاول مرة كل تلك الردات الفعل  السلبية من مناصري الحزب على تكلفة سفر الرئيس والوفد المرافق له الى نيويورك، والبالغة مليون دولار، هذه الردات الفعل التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تنبىء بما لا مجال معه للشك بأن هذا العهد تحول الى عبء ثقيل بأدائه  على الحزب وجمهوره  ايضا.