إرتكزت التسوية السياسية-الرئاسية على مُرتكز أساسي وهو النأي بالنفس عن محاور الصراع الخارجية، وتحييد الملفات الخلافية وتوسيع المشتركات المحلية من خلال صَبّ الاهتمام على الملفات الخلافية.
 

أعادت مواقف أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله في الآونة الأخيرة الزمن إلى مرحلة الانقسام العمودي بين ٨ و ١٤ آذار، من تهديده السعودية والإمارات من لبنان، إلى تلويحه باستخدام سلاحه في حال استهدفت إيران، وما بينهما السماح لنفسه بإسقاط المسيّرات الإسرائيلية والرد على الاعتداءات الصهيونية من على طول الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.

 

وإذا كان لبنان الرسمي يتعامل مع مواقف نصرالله على انها منبرية لضرورات بيئته والصراع الدائر في المنطقة، وأن لا حاجة الى مواجهته ونقل الاشتباك إلى لبنان طالما انّ الاشتباك في المنطقة ما زال مستبعداً، إلّا أنّ الدول التي تستهدفها إيران مباشرة أو مداورة غير مُضطرّة إلى تَفهُّم نَأي لبنان الرسمي عن مواقف نصرالله الذي حَوّل بيروت منصّة وقاعدة أمامية للدفاع عن إيران.

 

فكيف يمكن ان يتوقّع لبنان المساعدات العربية والدولية إذا واصَل غَضّ طرفه عن مواقف نصرالله؟ وكيف يمكن لواشنطن، التي توسِّع مروحة العقوبات على «حزب الله»، أن تساعد لبنان إذا كان الأخير يغطي الحزب؟ وكيف يمكن للسعودية والدول الخليجية ان تدعم لبنان اقتصادياً إذا كان هذا الدعم يفيد «الحزب» ويؤدي إلى إراحته؟ وكيف يمكن لمَن يَشدّ الخناق على طهران أن يعوِّم بيروت إذا كانت عاصمة من عواصم محور الممانعة؟

 

ويبدو انّ لبنان الرسمي، ومعه «حزب الله»، ما زال يراهن على انّ المجتمع الدولي لا يريد انهيار لبنان لـ3 أسباب: تجنّباً لأزمة نازحين جديدة، وتجنّباً لتوَسّع الحرب الإقليمية وسقوط لبنان في حرب جديدة يصعب عليه الخروج منها بفِعل التوازنات الطائفية، وتجنّباً لفوضى تقود إلى حرب إسرائيلية مع لبنان.

ولكن هذا الرهان ليس في محله لسببين: لأنّ المجتمع الدولي يريد مساعدة لبنان شرط ان يكون معنيّاً بمساعدة نفسه، ولأنه بينَ أن تكون بيروت رأس حربة دفاعاً عن طهران، وبينَ إسقاط بيروت لإلهاء «حزب الله» في شوارعها وتعطيل دوره الإقليمي، لا يفترض استبعاد هذا الاحتمال.

 

وإذا كان «حزب الله» مضطرّاً لإطلاق المواقف التي تخدم المحور الذي ينتمي إليه، أو بالأحرى منسجماً مع نفسه، فلا مصلحة للبنان الرسمي بإعطاء الانطباع بالموافقة على هذه المواقف وتغطيتها. وبالتالي، إنّ ترسيم حدود العلاقة بين لبنان الرسمي والحزب تشكّل مصلحة للبنان ولجميع اللبنانيين.

 

وإذا كانت مسألة إعادة «حزب الله» إلى الوضعية التي كان عليها قبل الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية مُمكنة اليوم ومن دون كلفة ربما، فإنّ إعادته لاحقاً ستصبح متعذّرة وتَستتبِع العودة الى مربّع الانقسام وهَزّ الاستقرار، خصوصاً انّ الحزب ليس جمعية خيرية، بل هو يحاول، بتكوينه وأهدافه، التَمدّد وتوسيع سيطرته، الأمر الذي يشكّل خطورة على لبنان، فيما لا مصلحة سيادية إطلاقاً بإراحته من خلال التخلّي عن قواعد ربط النزاع.

وهناك من غاب عن باله انّ الرئيس سعد الحريري لم يتراجع عن استقالته سوى على أثر اجتماع استثنائي للحكومة أعادت التأكيد فيه والتشديد على سياسة النأي بالنفس، ومن أسباب الاستقالة الخروقات المتواصلة لسياسة النأي من قبل «الحزب»، الأمر الذي عاد ليتكرر وبنسخة أكثر خطورة، حيث انّ «حزب الله» وضعَ نفسه ولبنان في تصرّف السيد خامنئي.

 

وما تقدّم لا يعني الصدام مع «الحزب» ولا المواجهة، إنما الإعلان بشكل واضح انّ ما يعبِّر عنه السيد نصرالله يتعلّق بحزبه حصراً وليس بالدولة اللبنانية التي ترفض استهداف الدول العربية من دولة عربية، وانها لن تسمح بجَرّ لبنان إلى حرب تنفيذاً لأجندات غير لبنانية. وبالتالي، على «حزب الله» أن يدرك انّ لبنان ليس ساحة مُستباحة، وانه لا يستطيع جَر لبنان الى سياساته.

 

وإذا لم يحرِّك المسؤولون ساكناً، فإن لبنان سيكون أمام 3 احتمالات:

 

الاحتمال الأول: حَجب المساعدات الدولية عنه ورفض مدّ يد العون له، ما يعني مواصلة السير باتجاه الهاوية.

الاحتمال الثاني: توسيع العقوبات لتشمل لبنان الرسمي والتعامل معه على غرار التعامل مع إيران وبشار الأسد، ما يعني الانهيار الحتمي والسريع.

الاحتمال الثالث: نقل الحرب الإقليمية إلى لبنان وحروب الآخرين على أرض لبنان، ما يعني الفوضى والانهيار وعدم الاستقرار.

ولعلّ أكثر ما يثير العجب والاستغراب انّ «حزب الله» يحاول فرض إيقاعه وشروطه وهو في أضعف لحظة سياسية، إن بفِعل العقوبات التي تحاصره، أو بسبب الضغوط غير المسبوقة على طهران، أو لأنّ الانهيار ليس من مصلحته باعتباره يشكّل مقدمة لمحاصرته، أو لأنّ خياراته الداخلية معدومة، بمعنى أن لا بديل من الحريري في رئاسة الحكومة وإلّا الانهيار.

 

فلكل هذه الأسباب وغيرها يجب العودة سريعاً إلى جوهر تسوية عام 2016 وروحيتها، هذه التسوية المهددة بالسقوط بفِعل إسقاط «حزب الله» أحد أبرز عناصرها ومرتكزاتها القائمة على سياسة النأي بالنفس. فهل قرّر الحزب إسقاط التسوية مع تَبدُّل ظروف ولادتها، أم انه يحاول تحسين شروط دوره، وفي الحالتين التسوية باتت مهددة، وأُدخل لبنان في عين العاصفة؟