كان ينظر على العالم المفسر الذي يستفيد الناس من نفسيره أنه جاهل ولا وزن له علمياً، لذا يضطر إلى ترك درسه.. الا تعتبرون ذلك كارثة؟!.
 

للافت تاريخياً عند علماء المسلمين وفقهائهم التركيز على الروايات والأحاديث، بسنبة تفوق على الإهتمام بالآيات القرآنية، بحيث جعلوا الحديث يُقيِّد الآية ويخصِّصها، وبعضهم ذهب إلى أنَّ الحديث ينسخ الآية، بقولهم "إنَّ السنة قاضية على القرآن"، وكأنهم جعلوا من الرواية نصاً قبل النص القرآني المؤسس، وما هذه المذاهب المنتشرة والمتقاتلة والمُكفِّرة لبعضها البعض إلاَّ بضائع من هذه المسلكية التي اتبعها فقهاء الرواية وعلماء الحديث، من هنا سأنقل خطاباً  للسيد الخامنئي ألقي في:" 12 ربيع الأول 1412ه عن الحوزة العلمية في فكر الخامنئي، إعداد: مركز التخطيط والمناهج الدراسية،ص59 ". قال: ( إن الحوزة العلمية ونتيجة ظروف وملابسات ولسيادة توجه خاص ابتعدت تاريخياً عن الإهتمام الكبير بالقرآن والدراسات القرآنية، وهذا البعد عن القرآن وعلومه ترك أثاراً سلبية جمة على مجمل مجريات العمل الدراسي والتدريس في الحوزة العلمية، سواء على الرؤية أم لجهة أمور متصلة بالعلم اليومي والممارسة الفعلية،إن الإنزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر والمستقبل، وكذلك فإن البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر. وهذا مما يدعو إلى الإستغراب أن طالب العلوم الدينية من الممكن أن يصبح عالماً ومجتهداً في مجال الإسلام والفكر والفقه الإسلاميين بمعزل عن القرآن الكريم، ومما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتها إلى حين استلام إجازة الإجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة.. لماذا هكذا؟ لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن، وقد ترد في الفقه بعض الآيات القرآنية ولكن لا تدرس،ولا تبحث بشكل مستفيض كما يجري في الروايات. إن الأمر لم يقتصر في الحوزة العلمية على هذا الحد،بل تجاوز ذلك،وأصبح الإهتمام بمجالات الدراسة القرآنية مدعاة للإستهزاء عند بعض دعاة العلم،القائلين بأن العلم كل العلم ينحصر بدائرة الأبحاث الأصولية والفقهية، وهذا ما دعا إلى توجيه سهام التجريح إلى المنشغلين بالقرآن والعلوم القرآنية، واصفين هذه العلوم بالمسائل الجانبية التي يمكن تحصيلها لكل قادر على ضبط بعض مصطلحات الأصولية وشذرات من هنا وهناك، إذا ما أراد شخص كسب أي مقام علمي في الحوزة العلمية كان عليه أن لا يفسر القرآن حتى لا يتهم بالجهل.. حيث كان ينظر على العالم المفسر الذي يستفيد الناس من نفسيره أنه جاهل ولا وزن له علمياً، لذا يضطر إلى ترك درسه.. الا تعتبرون ذلك كارثة؟!." إنتهى.

واختم بما قاله الشهيد مرتضى مطهري في "إحياء الفكر الديني/ ص 52/ : إنه لعجيب أن يقضي امرؤ عمره في أهم جانب ديني كتفسير القرآن ثم يكون عرضة للكثير من المصاعب والمشاكل في رزقه في حياته في شخصيته في احترامه وفي كل شيء آخر،ولكنه لو صرف عمره في تأليف كتب مثل (الكفاية) ـ الكفاية هي كتاب علمي أصولي يُدرَّس في الحوزة العلمية ـ  لنال كل شيء، تكون النتيجة أن هناك آلافاً من الذين يعرفون (الكفاية) معرفة مضاعفة أي أنهم يعرفون (الكفاية) والرد عليه ورد الرد عليه، ولكن لا نجد شخصين اثنين يعرفان القرآن معرفة صحيحة عندما يسأل أحد عن تفسير آية قرآنية يقول لك : ارجع إلى التفسير. إنتهى) إن هذا الكلام والنداء الصادر من علماء كبار وغيرهم من كبار علمائنا يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار وعلى الحوزات العلمية أن تتخذ من القرآن حبل الله المتين، وكيف لا، وهو المصدر الأول الذي يضيئ لنا ظلمتنا وطريقنا نحو الهداية والصواب، فكل علم في الحوزات بلا قرآن فهو مردود ولو كان هناك أطنان من الروايات، وكيف لا، وهو المقطوع بالصدور، والرواية ظنية، فإن هجران كتاب الله هو إيذانٌ بتهاوي الشريعة، كيف لا، وهو المهجور والمتروك فقط للتبرك أو لأخذ الاستخارة، أو لتلاوة على قبر ميت، لذا إن لم نأخذ بهذه النداءات من العلماء، فسوف يبقى القرآن مهجوراً، وقال الرسول يا ربِّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، حتى لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ويبقى متروكاً من ناحية الفكر والتأمل والتدبر والعمل...