قدم معالي الوزير جبران باسيل، خلال هذا الاسبوع، ورقة اقتصادية باسم تكتل لبنان القوي كي تناقش في المرحلة المقبلة في جلسات موازنة عام 2020، في محاولة لفتح الحوار الاقتصادي بفعالية ووضع الجميع امام مسؤولياتهم في المرحلة المقبلة، والانتقال الى التصرف بعقلانية في خضم الأزمات الجدّية التي نعانيها.

 

فالمرحلة أدقّ من أيّ نزاع وتناكف سياسي والوقت ليس مناسباً لتسجيل النقاط وممارسة أيّ كيدية من أيّ نوع كانت، ومن أيّ جهة أتت.

طُبع أداؤنا الاقتصادي في السنوات الماضية بالعشوائية والارتجال وإنه أداء وليد اللحظة، غارق في التناقضات، وخططنا الاقتصادية ينطبق عليها دائماً ما يُسمى الغريزة المعروفة بـ«Survival Instinct» اي اننا نقوم بالإجراءات الطارئة فقط التي تحافظ على استمراريتنا من دون وجود ايّ نظرة مستقبلية للتنمية، وهذا ما جعلنا نحقق وبجدارة رقم الدين العام القياسي والتصاعدي بدون أدنى شك.

وبالتالي المطلوب اليوم الاعتراف بأهمية معالجة الامور الاقتصادية بالمزيد من الجدّية والحنكة، ألا تكفي كل الاشارات السلبية التي يُظهرها الاقتصاد اللبناني كي يجلس الجميع سوية للتباحث جدّياً في خطة الإنقاذ مع اعتماد نقدٍ بنّاء وموضوعي دون محاولة تسجيل نقاط واستقطاب ناخبين، ألم نقتنع بعد بأهمية تغيير طريقة تعامل المسؤولين مع الشأن الاقتصادي، ففي كل دول العالم هنالك خلافات سياسية حادة، إلّا أنّ المصالح الاقتصادية والاجتماعية تبقى مؤمّنة لمصلحة المواطن وللمصلحة العامة. ويتعاون عليها كل الأفرقاء من معارضة وموالاة.

 

لقد سمعنا العديد من الانتقادات التي طالت الورقة، منها جدّية ومرتكزة على العلم الاقتصادي، وأخرى عشوائية تُعارض لتُعارض، ومهما كان شكل الانتقادات، إلّا أنها مطلوبة في هذه المرحلة للوصول الى افضل صيَغ ممكنة للخروج من التردّي الاقتصادي.

ولا نخفي أنّ اهمية هذه الورقة انها وضعت على طاولة البحث العديد من المحميات والاحتكارات التي كان التعرض لها مرفوضاً بسبب التركيبة المهيمنة في البلد، من مجالس ومؤسسات عامة وغيرها.

وللمرة الأولى يتم اقتراح طلب مساءلة إنتاجية للعديد من المؤسسات القائمة والجمعيات والمدارس الوهمية التي تقبض مساهمات ولا تقدّم إنتاجية تُذكر.

ومن الانتقادات التي طالت الورقة، انها مثل العادة تستهدف المواطن، وهذا غير صحيح، لأنّ كل البلد اليوم تحت المجهر من جدوى صرف الوزارات والمؤسسات العامة، الى الصناديق واللجان، ومساهمات اللجان الرياضية والفنية والسياحية، ومؤسسات محمية مثل «اوجيرو» و«الميدل ايست» و«الريجي» ومرفأ بيروت الخ ....

والأهم تفعيل الانتاج، فلم يعد لبنان يتحمل أن لا يفكر بعقلية إنتاجية بحتة، ودعم القطاعات المنتجة. وتحرير الاقتصاد عبر تحرير الخدمات ما يوفر فرص عمل اضافية، إعتماد سياسة الأجواء المفتوحة وتحديث شبكة النقل وفتح مطارات جديدة لربط لبنان بالدول المجاورة ليصبح فاعلاً في عمليات اعادة الإعمار المرتقبة.

والنقطة المهمة هي دعم التصدير، إذ إنّ التصدير هو حياة ومَن يقوم بالتصدير هو مقاوم في الدرجة الاولى، وبالتالي هناك اهمية لاقتراح دعم التصدير عبر إلغاء رسم المرفأ وتصديق الفواتير وتحديد رسوم الـFIO والنقل الداخلي لمنع الاحتكار وإلغاء ضريبة الدخل على التصدير ودعم مشاركة المنتجين اللبنانيين في المعارض الخارجية.

وغيرها الكثير ممّا تتضمّنه الورقة من افكار قيّمة للتباحث والنقاش، من مكافحة التهريب الى مكافحة التهرّب الضريبي، والترويج للفرص الاستثمارية في البلاد.

المطلوب اليوم ترجمة هذه النقاط عبر خطة حكومية جدّية تعمل في اتجاه واحد للوصول الى النمو، المطلوب الحوار العلمي والجدي والعقلاني لتحسين الورقة وترجمتها وتفنيدها، والوصول بها الى خطط وإنجازات بمشاركة جميع القوى السياسية. فالانتقاد سهل، أما إيجاد الحلول وتحقيق الإنجازات فهو الأصعب وهو ما يذكره التاريخ وتقدّره الشعوب.

فلننطلق من الورقة الى حوار وطني واسع وشامل، والى اتفاق موحَّد على تحييد الاقتصاد اليوم ودائماً عن المناكفات السياسية وصراع المحاور، فتكفينا فرص ضائعة ويكفينا يأس اقتصادي.

أخيراً نتمنى على المعترضين على الورقة فتح حوار جدي وعلني ليستطيع كل مواطن أن يحكم على مدى جدّية الأحزاب والتكتلات والتيارات، الخ، في معالجة الوضع الاقتصادي وإبداء الرأي في كل بند من بنود الورقة.