توقف المراقبون عند أهمية زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لباريس تحت عنوان إطلاق مشاريع «سيدر»، متّكئين على كمٍّ من المبادرات الخارجية التي ستنعش الإقتصاد. فوديعة «غولدن ساكس» الأميركية في مصرف لبنان لن تبقى يتيمة، فعلى الطريق مجموعة ودائع أخرى سعودية وأميركية تُحيي الأمل في استقرارٍ نقدي ومالي لتجاوز شبح الأزمة الحالية. فما الدافع الى هذه القراءة؟
 

توقف المراقبون عند أهمية زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لباريس تحت عنوان إطلاق مشاريع «سيدر»، متّكئين على كمٍّ من المبادرات الخارجية التي ستنعش الإقتصاد. فوديعة «غولدن ساكس» الأميركية في مصرف لبنان لن تبقى يتيمة، فعلى الطريق مجموعة ودائع أخرى سعودية وأميركية تُحيي الأمل في استقرارٍ نقدي ومالي لتجاوز شبح الأزمة الحالية. فما الدافع الى هذه القراءة؟
بمعزل عن كل التطورات الأمنية والعسكرية والمخاوف من ردود الفعل على الساحة اللبنانية جراء أيّ حدث امني يمكن أن يتكرّر بعد قصف منشآت «أرامكو» السعودية، واحتمال أن تتطور العمليات العسكرية في اتجاه ضرب إيران، فإنّ السيناريوهات تستبعد مثل هذه الخيارات. فكل قنوات الإتصال المفتوحة بين اطراف الصراع عبر المكلفين إدارة المصالح المتبادَلة على اراضي الدول التي تشهد قطيعة ديبلوماسية تعزّز المنحى التهدوي في المدى المنظور، وهو ما يقود الى قراءة التهديدات المعلنة على أنها رسائل داخلية وليست في اتجاه الحكومات والدول المتصارعة.

 

على هذه الخلفيات، يدرك المسؤولون اللبنانيون انّ الأولوية اليوم للخيارات الإقتصادية والمالية في ظلّ الإطمئنان الى الحدّ الأدنى من الهدوء الناجم عن تراجع أو غياب الخيارات العسكرية في المنطقة.

 

وهو ما يدفع الى السير في خيارات تلاقي الدعم الإقتصادي والمالي الموعود للبنان الذي ربط في المرحلة الأخيرة بالحدّ الأدنى من إبراز النية اللبنانية بخوض التجارب نحو الإصلاحات المقرَّرة مالياً وإقتصادياً وإدارياً، ضمن هوامش ليست واسعة تحت سقف بتّ موازنة عام 2020 ضمن المهلة الدستورية المحدَّدة، وترجمة ما قالت به موازنة عام 2019 خلال ما تبقى من العام الجاري.

 

وفي ظلّ الأجواء التي تنحو الى الإيجابية في جوانب عدة منها، ترصد المراجع الديبلوماسية والإقتصادية بعض بوادر الإنفراج على الساحة اللبنانية، رغم حجم الأزمات المالية وأخطرها المتمثلة بفقدان العملات الصعبة بالحجم الذي تحتاج اليه السوق اللبنانية التي تنحو الى استيراد ما يزيد على 85 % من حاجات اللبنانيين.

 

ولذلك تتوجّه الأنظار الى بعض المحطات الأساسية التي يمكن أن تُنبئ بمدى تجاوب الدول والمؤسسات المانحة مع حاجات لبنان المبنية على اقتناعها بإمكان أن يقوم اللبنانيون بما عليهم من مبادرات تُحيي الحدّ الأدنى من الثقة المفقودة بحكومتهم وبأداء قياداتهم. ولذلك بدا البحث عميقاً في ما أنتجته زيارة الرئيس الحريري للمملكة العربية السعودية، تزامناً مع إشارة وزير المال السعودي في حديث متلفز الى المفاوضات الجارية بين البلدين لمدّ لبنان بمعونات وقروض مالية عاجلة لمواجهة ما بلغته الأوضاع الإقتصادية في البلاد.

 

وفي انتظار الموعد الذي يمكن إعلانه خلال ايام قليلة لإجتماع اللجنة العليا الوزارية المشتركة بين لبنان والمملكة للبحث في مشاريع محدَّدة سبق أن اتُفق على أن تموِّلها مصادر مالية سعودية، بُنيت آمال كثيرة على المؤتمر الذي تستضيفه الإمارات العربية المتحدة في الأسبوع الأول من الشهر المقبل للبحث في برامج استثمارية يمكن القيام بها في لبنان بحضور عربي وغربي من الدول والمؤسسات المانحة. وكل ذلك يجري لمواكبة حاجات لبنان للعون المالي السريع لأكثر من سبب. فبالإضافة الى حاجته لاستعادة التوازن المالي والنقدي الداخلي، أثبتت التطورات الأخيرة أنّ لبنان يحتاج الى توازن سياسي مماثل بين دعاة سَوْقه الى محور الممانعة في المنطقة وبين الحفاظ على الحدّ الأدنى من مؤشرات النأي بالنفس، رغم إفراغ هذا الشعار من مضمونه في الآونة الأخيرة. وفي الحالين من المهم أن يقتنع العالم بأنه لا يمكن ترك لبنان فريسة مَن يسعى الى انجرافه الى حيث لا تريد الدول المانحة.

 

على هذه القناعة تُبنى الخيارات الإيجابية مدعومة بخطوات مالية واقتصادية تستجرّها الوديعة التي وضعها في مصرف لبنان أحد المستثمرين في مؤسسة «غولدن ساكس» الأميركية بمليار ونصف المليار، على وقع حديث متنامٍ عن وديعة اخرى من المصدر عينه او شبيه له لملاقاة خطوات مماثلة يمكن أن تُقدم عليها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، تلازماً مع توجّهٍ يقود الى استكمال قطر تنفيذ وعد قطعه أميرها في القمة الإقتصادية التنموية التي عُقدت في 19 كانون الثاني الماضي في بيروت، باستكمال شراء سندات او أي استثمار آخر بما يقارب 290 مليون دولار من اصل 500 مليون دولار بعدما نُفِّذ جزءٌ منها في وقت سابق بقيمة 210 ملايين دولار.

 

وامام هذه التوقعات الإيجابية لا تستبعد المراجع الديبلوماسية والإقتصادية بناء معادلة تقود الى التزامن بين «سيدر» والمعونات العربية والخليجية تحديداً، فتقدم فرنسا على تسييل سريع لبعض ما أقرّ في «سيدر واحد» في وقت قريب عدا عن مساعيها لإحياء الهبة العسكرية السعودية من الأسلحة الفرنسية على خلفية دعم الجيش والمؤسسات الحكومية في لبنان، وتقليص الفوارق بين قدراتها وقدرات «الدويلة» كما يصنّفها العقل الغربي والمتمثلة بقدرات «حزب الله» المتفوّقة على الدولة اللبنانية.