نظم اتحاد بلديات اقليم التفاح، بالتعاون مع منتدى التنمية والثقافة والحوار، لقاء " الحوار العربي - الدانماركي: دور الحوار الاسلامي المسيحي في تعزيز السلم الاهلي، واستعراض العلاقات الاسلامية - المسيحية في الدانمارك ونقل تجربة اقليم التفاح في العيش المشترك".

أقيم اللقاء في قاعة السيدة الزهراء في بلدة جباع - اقليم التفاح في حضور رئيس اتحاد بلديات التفاح بلال شحادة ونائبه يحيى جوني، رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبدو أبو كسم، راعي الكنيسة اللوثرية في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن القس نيلس فيد، امام بلدة جباع الشيخ سليمان دهيني، عميد كلية الشريعة في جامعة حلب الدكتور علي عكام، ممثل مجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ الدكتور محمد صالح الموعد، امام مسجد السلام في كوبنهاغن وخطيبه الشيخ خالد عدوان، مدير جامعة آزاد الاسلامية في النبطية الشيخ محمد سبيتي، وشخصيات من سوريا والاردن ومصر، ورؤساء بلديات من اتحاد بلديات الشقيف ومخاتير وفاعليات ووجوه اجتماعية وتربوية ومهتمين.

شحادة
بعد النشيد الوطني، وكلمة ترحيب وتعريف من الاعلامي قاسم قصير، ألقى شحادة كلمة قال فيها: "كان الأنبياء ولا يزال للإنساني جمعاء في البدء، كانت الكلمة هي سر الوجود وجسر الحوار ووسيلة الفكر وغذاء الروح.
والقرآن الكريم يعبر عن السيد المسيح عليه السلام بأنه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم البتول القديسة التي ارتفعت فوق كل العوالم، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال: " يا مريم أنى لك هذا؟"... قالت: "هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب".
وهنا قانا الجليل كانت معجزة السيد المسيح الأولى، وليس من قبيل الصدفة أن تكون قانا نفسها مكان المجزرة الصهيونية عام 1996، عندما قصف الجيش الصهيوني تجمعا للمدنيين، لجأ إلى مركز الأمم المتحدة طالبا الأمان. وانتصرت دماؤهم على الإجرام الصهيوني بسواعد المقاومين من لبنان، لبنان التعايش الإسلامي-المسيحي، لبنان الحوار الحضاري، ولبنان الرسالة على حد تعبير قداسة البابا".

وأضاف: "نرحب بكم ضيوفا أعزاء على أرض تطهرت بعد جلجلة الاحتلال وتمسكت بالإيمان المتسامي عند كل أنواع العنصرية والطائفية، أرض الإمام موسى الصدر الذي قال: "الطوائف نعمة والطائفية نقمة والأكثر طائفية أقل تدينا".

وتابع: إن الحوار الإسلامي-المسيحي، بحسب هذه المدرسة، ليس مجرد مجاملات بل منصة تنطلق منها مشاريع التحرير من العصبيات والفتن والتخلف. هو عيش وليس تعايشا وأسلوب حياة.
يتفتح الحوار الحضاري بين الأديان والمذاهب من أجل الإنسانية والإنسان كله.
بإسم إتحاد بلديات إقليم التفاح النموذج في الانفتاح والعيش المشترك أتمنى لأعمالكم المباركة أن تنتج مزيجا من التلاحم بين القلوب المؤمنة بالله الواحد لإرساء حوار فاعل يساهم في تطهير العالم من فتن الصهيونية، لأن المشروع الصهيوني العنصري قائم أساسا على تفتيت الأمم. وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله...

جرجور
وكانت كلمة لرئيس منتدى التنمية والثقافة والحوار القس رياض جرجور، اكد فيها "أهمية الحوار الاسلامي - المسيحي بما أصبح عليه من تأزم ولا سيما بين الغرب المسيحي والإسلام عموما، لابد من تفعيله بإعادة النظر في منطلقاته وبتحديد أولويات القضايا التي يجب ان يضعها على طاولة البحث المشتركة وإن وجوب هذا التفعيل أصبح مسألة ملحة يتأسس عليها مصير دول الشرق الأوسط الذي بلغ حد التشرذم والفوضى والدخول في مشاريع إعادة دوله، وكأنما سندخل في تشكيل سايكس - بيكو جديد. وعليه، فإن أحد المنطلقات التي يجب أن يتأسس عليها الحوار هو النظرة الى شرعية التعددية، فالتعددية الدينية والطائفية هي من وجهة نظر لاهوتية، وفي الحكمة الالهية ومقاصدها تعدد في سبل الخلاص إستنسابا للزمان والمكان ولأوضاع البشر المختلفة. لذلك فالتعددية تتنتاقض مع إحتكار شكل التدين والإستكبار والإختزال والإحتواء والإستتباع، بل هي دعوة الى الحوار لمعرفة الآخر كما يعرف هو ذاته ويعرف هو عن ذاته وصولا الى احترام متبادل ومشاركة فاعلة لبناء المدينة الأرضية كما يريدها الله وليس كما يخطط رصف مداميكها البناؤون "إن لم يبن الرب البيت، باطلا يتعب البناؤون".

وقال: "أما على مستوى طبيعية الحوار الاسلامي - المسيحي فعلينا ان نعطي الأولوية إما الى حوار الحياة والعيش المشترك وإما الى الحوار العقائدي، وإما الى المستويين معا. إنها مسألة خيار وكل مستوى من تلك المستويات له ما يبرره إلا أنه وإرتكازا على خبرتنا في هذا الحقل وصلنا الى اقتناع عبرت عنه الوثيقة التي أقرها الفريق العربي الاسلامي - المسيحي للحوار في العام 2001 بعد عامين من العمل ووضعها تحت عنوان "الحوار والعيش الواحد: نحو ميثاق عربي إسلامي مسيحي"، ومفاد هذا الاقتناع أن حوار الحياة او حوار العيش المشترك قد يكون أكثر إلحاحا من الحوار العقائدي ولربما يكون الوسيلة الأفضل التي تمهد لحوار عقائدي لاحق وتسهل فرص نجاحه، لكن حوار العيش المشترك يجب أن ينطلق من قاعدة إيمانية حقيقية وليس من إهتمامات سياسية قد تكون آنية وظرفية وبالتالي عابرة. وفي اقتناعي، لا يمكن إنجاح الحوار الحياتي إن لم يرس على مبادئ لاهوتية أي أن يكون الحوار منطلقا من دوافع دينية مبنية على أسس لاهوتية تلزم المؤمن أن ينظر الى الآخر نظرة محبة وتقدير واحترام. مع عدا ذلك، فالنظرات الأخرى الحوارية والتضامنية تبقى رهن الظروف السياسية الاجتماعية التي قد تتغير، كما قد تخضع لما هو ظرفي وتكتيكي وموقت وآني وديبلوماسي وغير ذلك.

أبو كسم
وألقى الخوري ابو كسم ابو كسم كلمة قال فيها: "يسعدني أن أشارك في لقاء الحوار العربي - الدنماركي الذي ينظم بالتعاون مع منتدى التنمية والثقافة والحوار، عن التعايش الإسلامي - المسيحي، تحت عنوان:"دور الحوار الإسلامي - المسيحي في تعزيز السلم الأهلي".
ولا بد من الإشارة الى أن ثقافة الحوار بين الأديان هي المرتكز الأساسي لبناء جسور السلام بين الشعوب المتنوعة الطوائف والأديان، وعملية الحوار تبدأ إنطلاقا مما هو مشترك بينها، أي القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، التي يمكن أن تشكل مادة أساسية لعملية التلاقي، وتؤسس لحوار بناء يخدم مجتمعاتنا وشعوبنا المتنوعة بتنوع طوائفها، فتضحي هذه الطوائف مصدر نعمة وغنى، يفتح مساحات واسعة للتلاقي في سبيل تعزيز هذه القيم مما يسهل عملية الإندماج السلمي الراقي في مواجهة كل أشكال التعصب الذي يضرب، وللأسف، بعض المجتمعات والشعوب، ويعنى بنشر آفة الجهل والإنغلاق، والتي تشكل أرضا خصبة لزرع بذور التطرف والإرهاب".

وقال: "إن أي حوار يستوجب اقتناعا عميقا ونية صادقة، والحوار يعني التلاقي والتعرف إلى الآخر المختلف والتفاعل معه، وبالتالي فالتقارب يؤدي إلى بناء الحوار الذي من شأنه أن يؤسس لبناء علاقات تساهم في إرساء الإستقرار في مجتمعاتنا المتنوعة.
أما التحديات التي تواجه عالم اليوم في عملية الحوار بين الديانات والثقافات، فهي كثيرة، منها ما يتعلق بنشر ثقافة العنف والتعصب الديني، وممارسة الإرهاب والتشجيع عليه، ومنها ما يتعلق بإستغلال المجتمعات الفقيرة والطبقات الإجتماعية المعدومة، لرزع التفرقة بين شعوبها.
من هنا، فإن المحور الأساسي الذي يجب أن نعمل عليه من أجل تشجيع عملية الحوار والسلم الأهلي، هو تعزيز ثقافة اللقاء، اللقاء مع الآخر، فكيف لي أن أحاور وأنا لا ألتقيه؟ وثقافة اللقاء هذه تفترض الإنفتاح على الآخرين، والثقة بهم، وقبولهم واحترام معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم، والتفتيش عما هو مشترك معهم، فيأتي إذذاك لقاؤ هم مثمرا وبناء".

واضاف: إن عملية اللقاء والتواصل مع الآخرين، أصبحت اليوم عملية سهلة المنال من خلال شبكات التواصل الإجتماعي التي تشكل ثورة تقنية، تقرب المسافات بين الشعوب، وتجعل من عالم اليوم قرية كونية صغيرة، يجتمع في ساحتها كل شعوب الأرض، وعليه، يجب الإفادة من هذه الوسائل لنجعل منها منبرا للحوار بين الشباب ومكانا للتلاقي في ساحاتها، حيث تبنى جسور الإلفة والمحبة والإحترام والدفع قدما في سبيل تعزيز الكرامة الإنسانية.

لكن للأسف الشديد، هناك من يستعمل هذه الوسائل لنشر بذور الفتنة والتفرقة والتعصب، وفي بعض الأحيان التحريض على الإرهاب، وهذا ما يشكل تحديا كبيرا لعملية الحوار والسلم الأهلي وعلينا جميعا مكافحته ومحاربته بشتى الطرق".

وتابع: "إن عملية تعزيز الحوار وإستثماره في بناء ثقافة السلام يجب برأيي أن تنطلق من خلال شباب اليوم، وإنطلاقا منهم إلى كل العالم، فإن دور الشباب مهم في عملية الحوار، ويسهم إسهاما قويا في نشر ثقافة اللقاء والحوار والسلام، فالشباب ثروة وثورة في آن، وطاقة منفتحة على كل الخيارات الإيجابية التي من شأنها أن تعزز التلاقي والسلم الأهلي.

وختم: "إن لبنان الرسالة، كما سماه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، يخوض تجربة الحوار والتلاقي منذ زمن بعيد، لا بل يعيش تجربة الوحدة في التنوع، فعلينا جميعا أن نسعى من خلال هذا المؤتمر إلى مزيد من التعارف والتلاقي، ونؤسس لعلاقات متينة بين شبابنا، فهم المستقبل وأمل الغد، ومداميك الحوار وبناة السلام.

سبيتي
ثم ألقى الشيخ سبيتي كلمة اعتبر فيها ان "الانسانية والدين توأمان لم يأت زمان استغنى فيه الانسان عن الدين، روح الله المملوء بالمحبة وحبيب الله المبعوث بالرحمة ومن يحب لا بد أن يرحم، إذ أن دليل الحب صدور الرحمة. فالرحمة أصلها الحب وهو نتاجها وإن مفهوم الدين ومصدره ومبادئه واحد، إلا ان تشريعاته متعددة باختلاف البيئة وظروف الزمان. وهذا ما يدعونا الى العمل على النظرة التوحيدية للدين ولله، لا التقارب بين الأديان إذ اننا لا نرى أديانا متعددة تصدر عن اله واحد واذا كان تقارب الاديان ينتج تعايشا اجتماعيا في مكان ما فإن توحيدها ينتج إندماجا روحيا ساميا وسلاما روحيا ويولد عالما لا إقصاء، ولا تكفير ولا أثنية.

فيد وعلوان
ثم كانت مداخلة لرئيس الكنيسة اللوثرية في كوبنهاغن القس فيد وإمام مسجد السلام في كوبنهاغن الشيخ علوان عن تجربتهما في العيش المسيحي - الإسلامي في الدانمارك بحيث اعتبرا ان "الحوار ليس دائما سهلا بل الاهم الارادة للحوار وللتحدث عن الامور الصعبة والاختلافات"، مشيرين الى ان "التحديات التي نواجهها هي للجهل، جهل الآخر، جهل الغاية من هذا الحوار. ومن هنا شددا على فكرة الحوار لإزالة اي خلاف والوصول الى مساحة مشتركة بين الأديان".

موسى
وألقى الباحث الدكتور حسن موسى كلمة رأى فيها "اننا في الجنوب عامة وفي اقليم التفاح خاصة نعيش الحوار والتواصل والتعاطف ونمارس العيش اليومي، دينا وعبادة ووطنية وضرورات ونبالة.

الحلو
وكانت كلمة لرئيس بلدية صربا المحامي إيلي الحلو إعتبر فيها أننا "لا نحتاج الى حوار فكل ما نحتاجه هو احترام ارادة الله بالتنوع فهو من خلق هذا الكون بمكوناته المختلفة، وهو من سمح بالتعدد بالاديان وبين البشر، فمن يحترم الله يحترم ارادته ويحترم حقوق الاخرين بالعيش والعقيدة والايمان. فمن نحن حتى ندين بعضنا البعض في ابسط حقوقنا التي نكتسبها بالولادة ومن الله الا وهي الحق بالحياة وحرية العقيدة والايمان تحت سقف القوانين والحقوق سواء الطبيعية او الوضعية اما الدينونة لجهة ما يخالف ارادة الله فتعود اليه وحده عملا بقول المسيح "لا تدينوا لئلا تدانوا"، فالجميع متساوون واحرار امام الله، وهو مبدأ كل الاديان وافضل تعبير جاء لهذه الناحية ما اتى في رسالة الامام علي الى مالك الأشتر عن البشر بقوله فهو "اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق"، والنظير يعني من ساواك، وبالتالي فالخلق متساوون بفعل عمل الله في خليقته.

مداخلات
وكانت مداخلات لكل من الشيخ دهيني والباحث علي جوني والناشط في مجال العلاقات بين الحضارات علي صعيد بريطانيا واوروبا جمال نظر وعميد كلية الشريعة في جامعة حلب الدكتور علي عكام والقس الاردني سامر عازر والصيدلانية السورية خانم ماراني والكاتبة الايرانية مريم دولابي وممثل مجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد موعد. وشددوا جميعا على "ضرورة تواصل لقاءات وحوارات كهذه من أجل تعزيز السلم الأهلي والعيش المشترك الإسلامي - المسيحي".