المملكة السعودية تعدل سياستها تجاه لبنان؟
 
 منذ فترة ليست بقصيرة يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة يحاول الخروج منها من خلال تبني إصلاحات قاسية في موازنة عام 2019، يأمل في استكمالها دون معوقات في موازنة عام 2020. لم يعد لبنان يحتمل لامبالاة وتنظير المسؤولين ازاء هذه الازمة والاجراءات والاليات  الواجب اتباعها او ما يخططون له من اجراءات ولو من باب اظهار البعض منهم جديتهم واصراراهم على ايجاد حلول لئلا يتحملون ما سيحصل. وعلى الرغم من ذلك الا ان هذا لا ينفي ان جميع اطراف السلطة يتحمل مسؤولية مشتركة ففي الوقت الذي لم تتخذ اجراءات تقشفية للتاكيد على حال الطوارئ بعد مرور قرابة الشهر على اعلانها وفي ظل ممارسة للسياسة على جاري العادة من دون اي تغيير في البرامج من اجل مواكبة وضع لم يعد يحتمل او لاظهار مدى الجدية القلقة على معالجة التردي الحاصل وشعورا منهم بوجع الناس وهمومهم.كما ان هناك ضرورة في المقابل الى مصارحة الناس باجراءات سريعة يعلن عن اتخاذها خشية تدحرج الامور نحو الاسوأ تحت طائل ان تكبر كرة ثلج المخاوف التي تتزايد في الشارع فتغدو الامور في مكان آخر كليا.
 
 مهما يكن من أمر، فإن هذه الأحداث التي جرت على خلفية تزايد الصعوبات الاقتصادية وبداية العام الدراسي التي تشكل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن.وفي خضمّ التصعيد الذي تشهده المنطقة، تلقى لبنان إشارة إيجابية من المملكة العربية السعودية. إشارة تشكّل عامل طمأنة للّبنانيين الذين يراقبون الوضع الاقتصادي خشية انهياره. ومنذ فترة يعيش لبنان سباقاً مع الزمن. 
 
سباقٌ بين الانهيار والإصلاحات لِلَجمها والبحث عن حلولٍ تؤدي إلى انتعاش الوضع المالي والاقتصادي. وكل المساعدات الدولية مرهونة بتنفيذ لبنان لشروطٍ قاسية من قِبل الدول المعنيّة والمانحة. لكن الأساس يبقى في أن المساعدات غير منوطة، أو مرتبطة، فقط بإجراءاتٍ تقنية، إنما لها ارتباطها باجراءات تشريعية ناهيك عن ربطها بالتطورات السياسية ايضاً.
 
طوال السنوات الماضية كان لبنان شبه غائبٍ عن أجندة الاهتمامات العربية، وخصوصاً الخليجية منها، وذلك بسبب الوضع السياسي، وحال الانقسام فيه، وتصنيفه بأنه أصبح يغرّد خارج السرب العربي.
 
 وكل محاولات الحفاظ على التوازن والوقوف في منزلةٍ وسطية بين المحاور المختلفة، باءت بالفشل بفعل اختلال موازين القوى. لكن اليوم، وعلى ما يبدو، فإن تغيّراً قد طرأ على موقف الدول العربية التي تعلن استعدادها لمساعدة لبنان، وتقديم كل أشكال الدعم له.
 
افتتحت المملكة العربية السعودية تلك الخطوة الإيجابية، بإعلانها وعلى لسان وزير المالية محمد الجدعان عن البحث مع الحكومة اللبنانية في دعم الخزينة، وذلك عبر إيداع وديعة مصرفية. ففي ظل عدم اتخاذ إجراءات عملية لمعالجة الوضع الاقتصادي، عدا عن وجود فريق لا يوفر المملكة من حملاته الاعلامية واتهاماته في ظل دعم للحوثيين في اليمن. ومن هذه الزاوية يتمنى سياسيون في لبنان ان يكون لما اعلنه وزير المال السعودي ، خصوصا في ظل وضع اقتصادي صعب جدا، إذ بات لبنان يحتاج فعلا الى أي دعم من الخارج نظرا الى حال الاختناق التي يواجهها على المستوى المالي، والتي لم تعد خافية.
 
 
 
 لكن في الشق العملاني لهذه المسألة فإن خبراء اقتصاديين يقرون بأن أي مساعدة ستكون مفيدة في الواقع، خصوصا اذا كانت من المملكة، بما يعبر عن ثقة للمسثتمرين والشركات، وخصوصا اذا انطلق ذلك في موازاة الدعم الفرنسي لاطلاق التزامات مؤتمر سيدر. إلا أن النقاط المهمة والمرجحة باتت في مكان اخر بحيث مما لاشك فيه ان هذا الموقف يشكل تطوراً لافتاً بعد سنوات عجاف، كما تزامن مع لقاءٍ بين السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، والرئيس سعد الحريري الذي تسلّم دعوةً للمشاركة في مؤتمر الاستثمار الاقتصادي الذي سيُعقد في المملكة في الشهر المقبل. هذه الخطوة السعودية قد تتعزز بخطوةٍ إماراتية مماثلة. وتترافق الإشارات الإيجابية العربية مع استعادة فرنسا لنشاطها الداعم للبنان، وذلك من خلال اللقاء الذي سيُعقد مع الحريري، أو من خلال زيارة رئيس المجلس الاقتصادي  الاجتماعي الفرنسي إلى بيروت، ما يعني أن الاهتمام الدولي بمساعدة لبنان قد بدأ بالتحرّك، وقد تتطور فعاليته في الفترة المقبلة.
 
 لكن المسؤولية التي تبقى على عاتق اللبنانيين، وهذا الاهتمام بأوضاعهم، تقضي بعدم إقحام بلدهم في صراعات الدول الأخرى، والقيام بواجباتهم المفروضة عليهم، من خلال التاكيد على الالتزام الفعلي بممارسة الناي بالنفس ولا نعلم الى اي مدى يمكن التاكيد على ذلك من اجل استحقاق الحصول على الدعم. لأنه دون ذلك، وبحال استمرّ التوتر والانقسام، وبقيت الحسابات الإقليمية تتقدم على الحسابات الوطنية، فإن شيئاً من هذه المساعدات لن يحصل، وسيُترك لبنان يواجه مصيره الانحداري نحو الهاوية.