يمكن وصف الجلسة الأولى لمجلس الوزراء حول موازنة العام 2020 بأنها جلسة «إعلان نوايا»، قطعت نصف الطريق إلى إقرار موادها الـ32، في سباق جدي مع المادة 83 من الدستور، والتي توجب على الحكومة، سنوياً، ومع بدء عقد تشرين الأوّل، تقديم موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة لمجلس النواب، الذي يتعين عليه ان يقترع عليها بنداً بنداً.
 
من الوجهة هذه، فإن الجلسة الثانية لمجلس الوزراء من أجل الموازنة، ستعقد عند الساعة الرابعة من بعد ظهر الاثنين المقبل، بعد عودة الرئيس سعد الحريري من زيارتين له إلى كل من المملكة العربية السعودية، التي غادر إليها بعد ظهر أمس، اثر انتهاء جلسة مجلس الوزراء، وبعدما تلقى دعوة من خادم الحرمين الشريفين، نقلها إليه سفير المملكة في لبنان وليد البخاري، للمشاركة في الدورة الثالثة للمنتدى العالمي لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة، والذي ينعقد في الرياض بين 29 و31 تشرين الأوّل المقبل تحت عنوان: «مبادرة مستقبل الاستثمار».
 
ووصف المكتب الإعلامي للرئيس الحريري زيارته إلى المملكة بـ«السريعة»، على ان يتوجه بعدها إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون غداً للبحث في إطلاق أموال «سيدر» للنهوض بالاقتصاد اللبناني.
 
وقالت مصادر مطلعة ان زيارة الحريري تكتسب اهميتها من انها تأتي في ظرف إقليمي صعب، وفي ظل تهديدات تتعرض لها المملكة، الأمر الذي يفترض التضامن معها، في المواجهة الجارية، فضلاً عن دور المملكة في المساهمة في إنجاح مهمة الحريري في باريس من أجل تحريك الـ11 مليار دولار المخصصة لدعم البنى التحتية اللبنانية، والتحضير لاجتماع اللجنة المشتركة اللبنانية- السعودية.
 
وعشية تحرك رئيس الحكومة، قالت شركة الاستثمار المباشر تل غروب أمس إنها حققت إغلاقا أوليا لصندوق تل لبنان للبنية التحتية التابع لها والذي تأمل بأن يجمع 100 مليون دولار.
 
وقال الصندوق، وهو أول صندوق يستهدف فرصا في في البنية التحتية اللبنانية تحديدا، إنه جمع 25 مليون دولار في إغلاق أولي.
 
وتعهدت حكومات أجنبية ومؤسسات مانحة العام الماضي في مؤتمر في باريس بتقديم تمويل للبنان بقيمة 11 مليار دولار، في برنامج مدته 12 عاما للاستثمار في البنية التحتية، بشرط أن تجري الحكومة إصلاحات.
 
وفي مواجهة نمو ضعيف وبنية تحتية متهالكة، كشفت بيروت أيضا عن تمويل بنحو 20 مليار دولار لبرنامج استثمار رأسمالي يتضمن أكثر من 280 مشروعا.
 
وقال سيثو بالانيبان المدير المالي للصندوق لرويترز «هذا الصندوق هو الأول من نوعه. حددنا له 100 مليون دولار حتى نتمكن من بدء العمل ومواصلة أنشطتنا»، مضيفا أن من المرجح أن يبدأ ظهور صناديق أخرى.
 
وحدد الصندوق خمسة إلى ستة استثمارات محتملة في قطاعات من بينها معالجة المخلفات والطاقة والاتصالات. وقال إن أول مشروع لا يزال في مرحلة الفحص الفني النافي للجهالة. وسيتطلع أيضا في المستقبل إلى مجالات النقل والمياه والكهرباء والمخلفات الصلبة والسياحة.
 
في هذه الاثناء، قال وزير المالية علي حسن خليل إن لبنان سيبدأ «قريبا جدا» إجراءات لإصدار سندات بالعملة الإجنبية بحوالي ملياري دولار.
 
وقال خليل «لبنان ملتزم بسداد التزاماته وهو يقوم بذلك بالعملات كافة ولم نتأخر يوما عن أداء التزاماتنا ولو لساعة واحدة».
 
دعم سعودي انقاذي
 
وفي موازاة الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء أمس في السراي الحكومي ويستكملها الاثنين المقبل، لمتابعة درس مشروع موازنة العام 2020، طرأ مشهد يُمكن ان يُشكّل بصيص نور في نهاية الأزمة المالية والاقتصادية التي يُعاني منها لبنان، نتيجة فقدان السيولة بالدولار، يتمثل بما أعلنه وزير المالية السعودي محمّد الجدعان بأن «المملكة تجري محادثات مع حكومة لبنان بشأن تقديم دعم مالي».
 
وقال في مقابلة مع «رويترز»: «نضع اموالنا والتزاماتنا في لبنان، وسنواصل دعم لبنان ونعمل مع حكومته».
 
وعلى اثر الإعلان السعودي- ارتفعت أسعار السندات الحكومية اللبنانية المقدمة بالدولار، وزاد الإصدار المستحق في 2037 بمقدار 1،9 سنت إلى 64،88 سنت للدولار، بينما ارتفعت السندات المستحقة في العام 2029 بواقع 1،8 سنت إلى 64 سنتاً للدولار، وفقاً لبيانات «تريدويب».
 
وترافق الكشف عن الاحتضان السعودي الجديد مع معلومات ذكرت بأن الرئيس سعد الحريري «يجري محادثات رفيعة المستوى مع المملكة العربية السعودية بشأن الدعم»، وزاد من مصداقية هذه المعلومة، حضور السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، إلى السراي الحكومي، بينما كان مجلس الوزراء منعقداً لدرس الموازنة، وقام بتسليم الرئيس الحريري دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في الدورة الثالثة للمنتدى العالي لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة الذي ينعقد ما بين 29 و31 تشرين الأوّل في الرياض، بعنوان: «مبادرة مستقبل الاستثمار».
 
وفي تقدير مصادر سياسية، ان المحادثات التي سيجريها الرئيس الحريري في المملكة يُمكن ان ينعكس إيجاباً على محادثاته في باريس، بالنظر إلى الثقل الذي تمثله المملكة على صعيد الاستثمارات، وعلى صعيد المساهمة في «سيدر» والتي ستكون العنوان الرئيس لمهمة الحريري في العاصمة الفرنسية.
 
اكتتاب أم وديعة؟
 
ولم يشأ وزير المال علي حسن خليل ان يستبق الأمور بالنسبة لشكل الدعم السعودي الجديد اكتتاب أم دعم، مشيرا إلى ان الأمور مفتوحة على الجميع الاحتمالات، وكلها تساعدنا سواء كانت اكتتابات بالسندات أو كانت ودائع توضع في حساب البنك المركزي لتعزيز موجوداته من العملات الأجنبية.
 
وقال: «نعم لا يوجد كمية كبيرة من السيولة بالعملات الأجنبية بين ايدي النّاس في السوق، لكن سعر صرف الدولار، ما زال محافظاً على نسبته وعلى وضعه في المصارف». وأكّد ان كل العمليات التي تتم في المصارف التجارية تتم على أساس التسعيرة الرسمية بالدولار، لكن هذا الا يتم لدى الطرفين الذين يحاولون ان يستفيدوا من خلال التلاعب بسعر الصرف.
 
 
 
مجلس الوزراء
 
وكان مجلس الوزراء باشر في جلسته أمس درس مشروع موازنة 2020 واستمع من وزير المال الى شرح عام لها، وسط توجه «لإنجازها خلال فترة قصيرة وليس في عشرين جلسة»، كما قال احد الوزراء لـ«اللواء»، على ان يبدأ المجلس في جلسات اخرى متتالية تبدأ يوم الاثنين المقبل بحثها بالتفصيل بعد عودة الرئيس الحريري من زيارة باريس،التي يصلها اليوم الخميس حيث يلتقي الجمعة الرئيس الفرنسي ايماونويل ماكرون.
 
ووصف مصدر وزاري الجلسة بانها ممتازة وهادئة وتقنية، سواء في ما خص طرح الموازنة، أو طرح وزير البيئة فادي جريصاتي لخريطة توزيع المقالع والكسارات، والتي تبين ان معظمها ملحوظة في السلسلة الشرقية، ما اثار تحفظ بعض الوزراء، حيث اشاروا الى ان حصر المقالع والمرامل في منطقة واحدة بعيدة من شأنه ان يسبب عبئاً كبيرا على الطرقات من حيث التسبب بزحمة السير عدا الضرر الذي سيلحق بالطرقات نتيجة تجول عشرات الشاحنات الثقيلة عليها يوميا. عدا ذلك، جرى نقاش في المعايير التي اعتمدت في اختيار مواقع بعينها وعدم اختيار مواقع اخرى.  
 
 وبالنسبة للنقاش في مشروع الموازنة، قال وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش ل «اللواء»: ان المقدمة التي تلاها وزير المال ايجابية، ولم ندخل بعد في فذلكة الموازنة، والكلام جميل لكن نتمنى ان ينعكس الكلام الجميل ارقاما في الموازنة وفي المواد القانونية وهذا ما طالبنا به. ونحن نعتقد ان ورقة اجتماع بعبدا الاقتصادي هي مرتكز اساسي للنقاش لانها من نتاج مجموعة خبراء، كما ان الوزيرجبران باسيل قدم بأسم تكتل لبنان القوي ورقة مقترحات تتكامل مع ورقة بعبدا ولا تتناقض معها، وتتضمن بنودا اصلاحية لا سيما حول اصلاح النظام الضريبي الذي نراه غير عادل وغير كفؤ، وطالبنا به بشكل رسمي ونصر عليه لزيادة ايرادات الدولة التي لا تمثل اكثرمن 21 فاصل 3 بالماية من الناتج المحلي.
 
اضاف: هناك مشاريع قوانين اصلاحية تتعلق بوقف الهدر ومكافحة الفساد، وهي ايضا موجودة في ورقة بعبدا.وغيرنا سيقدم مقترحات ايضا ونرحب بها للمناقشة.
 
واوضح ان الموازنة ليست مجرد ارقام، بل يجب ان تتضمن توجهات سياسية واقتصادية– اجتماعية، والارقام تاتي نتيجة لهذه السياسة. 
 
معلومات رسمية
 
وبحسب المعلومات الرسمية التي اذاعها الوزير ابوفاعور، بصفته وزير الإعلام بالوكالة، فإن الحريري تحدث في بداية الجلسة عن أهمية النقاش الذي سيحصل، ودعا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم، وان يكون النقاش صريحاً ومسؤولاً، وان يتقدّم الجميع بكل الاقتراحات التي تؤدي إلى منطق إصلاحي جذري.
 
واعتبر اننا نستطيع الاستفادة إلى نقاش موازنة العام 2019 كأساس، لكنه طلب ان نذهب أبعد من ذلك في الإجراءات الإصلاحية، محذراً من العودة إلى دوّامة النقاشات التي حصلت سابقاً في نقاش الموازنة السابقة، كما دعا إلى جلسات مكثفة وسريعة لإقرار الموازنة والالتزام بالمهل الدستورية، بل حتى التقدم على هذه المهل في إقرار الموازنة لإعطاء الانطباع الإيجابي الضروري.
 
وقال انه إذا كان وزير المال قد جدد نسبة ما للعجز، فإنه علينا ان نعمل على تخفيض هذه النسبة أكثر من ذلك، وهذا الأمر يحمل كل القوى السياسية المجتمعة على طاولة مجلس الوزراء المسؤولية الكبرى في هذه الظروف الصعبة.
 
ثم قدم وزير المال شرحاً أكثر تفصيلاً من الشرح الذي سبق ان قدمه في بعبدا حول بنود الموازنة، سواء فذلكة الموازنة أو نقاش المواد الواردة فيها والتي تمّ اختصارها إلى 32 مادة بدلا من 90 في موازنة 2019، مشيرا إلى انه بدأ بالاطلاع على الاقتراحات المقدمة من الكتل النيابية، ومنها الورقة الاقتصادية لتكتل «لبنان القوي». وكان هناك رأى من قِبل عدد من القوى السياسية الأخرى التي قالت انه لديها اقتراحات وافكار سوف تقدّم بشكل مكتوب، ومن أبرزها «القوات اللبنانية».
 
ووفق أبو فاعور، فقد تمّ الاتفاق على ان أساس النقاش سيكون وفق الورقة المقدمة من وزير المالية الذي هو صاحب الصلاحية في رفع الموازنة إلى مجلس الوزراء.
 
وبعد ذلك، انتقل النقاش إلى البنود الاجرائية في الموازنة وتم إقرار 14 مادة من أصل 32، وتوقف النقاش عند المادة 15 المتعلقة بسلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان، بمقدار 1500 مليار ليرة، لكن وزيرة الطاقة ندى البستاني رأت انه ربما نحتاج إلى سلفة أكبر، فطلب الرئيس الحريري إفساح المجال لنقاش أكثر عمقاً يوم الاثنين المقبل.
 
من ناحيتها، كشفت مصادر وزارية قواتية ان ورقتها ستسلمها الى مجلس الوزراء قبل يوم الاثنين المقبل وهي ستكون اقتصادية وتتضمن مقاربة عملية للاجراءات، خصوصا ان هناك قرارات تدخل في نص الموازنة كقرارات وقوانين ومراسيم يجب ان تبت من قبل مجلس الوزراء وكذلك مجلس النواب، لكي يتم تفعيلها وتنعكس ارقامها في الموازنة والا تكون الموازنة وضعت كعملية ورقية تعتمد على ما يسر الله من نتائج.
 
واعتبرت المصادر ان موازنة 2019 على ارض الواقع هي مغايرة، وشددت على ضرورة ان تتمّ الترجمة العملية لكل النقاط بافعال. واعتبرت ان الورقة التي قدمها الوزير جبران باسيل تتضمن افكاراً عامة مطروحة من قبل.
 
واشارت المصادر الى ان بنود الموازنة المرتبطة بالارقام ستتم مناقشتها بعد الانتهاء من المواد الاجرائية، واستبعدت ان يعقد مجلس الوزراء جلسة له يوم الثلاثاء المقبل وذلك بسبب الدعوة الى جلسة عامة لمجلس النواب في 24 أيلول الحالي. 
 
على صعيد اخر،كشفت مصادر وزارية ان الرئيس الحريري يجري لقاءات واجتماعات مع وزير المال وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمعالجة بعض الامور الاساسية الحياتية مثل موضوع القمح والنفط بعيدا عن الاعلام. 
 
تعليق وليس إقفال
 
يُشار إلى ان الحريري أعلن أمس قراراً بتعليق العمل في تلفزيون «المستقبل» وتصفية حقوق العاملين والعاملات، للأسباب المادية ذاتها التي أدّت إلى اقفال جريدة «المستقبل»، وتوجه إلى كل العاملين والعاملات بتحية تقدير ورسالة اعتذار، متعهداً بمتابعة الحقوق العائدة لهم والمتوجبة على إدارة «المستقبل».
 
العقوبات وقطع الحساب
 
صعيد آخر، أكّد الرئيس برّي ان «الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تفرض على لبنان لا تطال اشخاصا او فئة بعينها او بيئة المقاومة كما يعتقد البعض، إنما تطاول كل اللبنانيين وتعبر عن موقف من لبنان وشعبه».
 
وفي هذا السياق، كشف قيادي حزبي رفيع المستوى في ثنائي «أمل» - حزب الله، عن معلومات وصفت بالحساسة جداً، تقول ان الإدارة الأميركية في صدد اتباع سياسة عقوبات وضغوطات اقتصادية جديدة ضد لبنان»، وفحوى هذه المعلومات توجه واشنطن لفرض عقوبات على شخصيات وكيانات سنية حليفة ومعارضة لحزب الله واخرى محايدة او بمعنى اوضح لا تعارض سياساته من اجل تاجيج جو فتنة «سنية- شيعية» على شاكلة الاجواء التي عصفت بلبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 2005.