البشرُ المسحوقون المظلومون التائهون في محيط العولمة الزاخر، يُصابون بالدُّوار من تلاطم المصالح الكبرى،ويُصدّون عن بلاد الرفاهية والنظام وحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، بلاد تداول السلطة واجتثاث الفساد، كل ذلك ظلّ مقبولاًحتى حلّت المأساة السورية الرهيبة
 
فتحت العولمة الكرة الأرضية على أوسع مدى،  وأرحب مجال، رجال الأعمال يتنقلون بخفّة وحركة سريعتين، ترافقهم آخر ما توصّلت إليه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الأموال تنتقل بسهولة ويسر، المعلومات تتدفّق كالسيل العارم، الاتصالات أسرع ممّا يتخيله عقل بشري، الأسلحة التي كانت بمعظمها طائشة وعمياء، باتت دقيقة وذكيّة، النّهب مُنظّم، الحروب تُدار عن بُعد، لا حاجة بعد اليوم لمستعمرات ومستعمرين ومستشرقين، وعلماء آثار ولُغات وانتروبولوجيا وإثنيّات، كما فعل نابوليون بونابرت ذات يوم، عندما حطّ رحاله على أرض مصر مع " العدّة الكاملة"، لا حاجة لعبيد يُساقون كالمواشي في السُّفن ليُعمّروا عالم البِيض في الأميركيّتين.
 
 
أمّا تنقُّل البشر، فلا وألف لا، وما كان مُيسّراً في أواخر القرن التاسع عشر حتى الربع الأخير من القرن العشرين، ولّى إلى غير رجعة، كل القيود على حركة تنقّل البشر، البشرُ المسحوقون المظلومون التائهون في محيط العولمة الزاخر، يُصابون بالدُّوار من تلاطم المصالح الكبرى،ويُصدّون عن بلاد الرفاهية والنظام وحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، بلاد تداول السلطة واجتثاث الفساد، كل ذلك ظلّ مقبولاًحتى حلّت المأساة السورية الرهيبة، فعرّت نظام الاقفال المُحكم لابواب العالم الحر( باستثناء ما قامت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من نفحة إنسانية نادرة) حين تدفّق مئات الآلاف من البشر صوب الغرب، تاركين وراءهم بيوتهم وارزاقهم ومدنهم وقراهم، ولُقمة عيشهم المُرّة مع حُكّامٍ ظلَمة، استباحوا البلاد والعباد، واسلموها لحروبٍ أهلية متنقلة ومُدمّرة، فهجرها أهلها وألقوا بأنفسهم في غياهب البحار، رغم التّهلكة التي حاقت بهم من كل جانب، والتي حذّرهم الله تعالى منها بقوله: ولا تُلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، ولكنّ الله غالبُ أمره، كما يُردّد العربُ المغاربة ليل نهار.