يقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على خط الوسط في ملعب الحُكم، من دون أن يصبح لاعباً أساسياً أو أن يتمكّن من التأثير في اللعبة. هكذا يصف البعض تَموضع زعيم أحد أكبر الأحزاب المسيحية. لم ينجح «الحكيم» في الحفاظ على حلفائه القدامى، ولم يتمكّن من نسج تفاهمات جديدة، ولم تصبح مشاركته في الحكومة مؤثرة في صمودها، على عكس الوزير جبران باسيل. فتمسّك جعجع بتحالفات مُحدّدة لم تُسعفه للوصول إلى أيّ موقع مهما علا شأنه أو خفض، فلا حجزت له حصة في التعيينات ولا أوصَلته إلى كرسي الرئاسة. وكأنّه سقط في فخ الشعار الذي حمله: «الرئيس المسيحي القوي».
 

تمكّن كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس أكبر تكتل نيابي مسيحي من كسب التحالفات والمواقع على حساب جعجع، وأصبح عون وباسيل من صلب السلطة على رغم خلافاتهما الكثيرة مع بقية أطرافها. الأفرقاء جميعاً يفضّلون التفاهم مع «الطرف المسيحي الأقوى» على حساب جعجع، طالما أنّ هذا ما توافَق عليه الزعيمان المسيحيان الأبرز.

 

وعلى رغم هجومه المتواصل على الطبقة السياسية الحاكمة منذ التسعينات، فقد نجح باسيل في أن يُصبح أحد أركانها و«مُحرّكيها» ومُعرقليها. يَصف رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ«البَلطجي»، وسرعان ما يتفق معه على التعيينات والمسائل الإدارية.

 

يُعرقل تأليف الحكومة للحصول على الحصة الوزارية التي يُريدها، ويُطالب بتحديد مهلة للرئيس المُكلف لتأليف الحكومة، ومن ثمّ يتعرّض للسنية السياسية ويعرقل اجتماعات مجلس الوزراء، إلّا أنه يُحافظ على التفاهم مع الحريري ويتفق معه على «الشاردة والواردة» في اجتماع واحد.

 

يحمل خطابه الواحد مواقف متطرّفة مُطالِبة بحقوق المسيحيين ومغطية لسلاح «حزب الله» في الوقت نفسه، ولا يخسر لا من شعبيته ولا من تحالفاته وتفاهماته. تَستعِر حرب شعواء بينه وبين الحزب التقدمي الاشتراكي ولا يلبث أن يفتح أبواب المصالحة والتفاهم بمفتاح اللعبة السياسية اللبنانية: «المحاصصة».

 

يُظهر مسار الرجلين بالنسبة إلى البعض أنّ باسيل تخطّى جعجع على صعيد التحالفات، وتمكّن من مجاراة اللاعبين الداخليين وتحقيق المكاسب، وقد يتخطّاه في السباق الرئاسي. وجهة النظر هذه تعتبرها «القوات» غير صحيحة، فأهمية التحالفات لا تكمن بالنسبة إلى «القوات» في الحفاظ عليها أو اكتساب حلفاء جدد، بل تنطلق من خلفية مبدئية ومساحة مشتركة.

 

وترى «القوات» أنّ هذه المرحلة السياسية ليست من نوع المراحل التي لا صوت يعلو فيها فوق صوت المعركة، وبالتالي هناك تباينات مشروعة في الحياة السياسية حول ملفات محددة وتحت سقوف معينة. ولذلك، إنّ تفاهمات «القوات» الأساسية مع قوى 14 آذار حول السيادة والاستقلال والحرية والنظرة الاستراتيجية قائمة على رغم التباينات التكتية.

 

وعلى صعيد التحالفات، ترفض «القوات» القول إنها ألغت حلفاءها القدامى، فهي ضدّ منطق الإلغاء، ولا تعتبر أنّ الانتخابات النيابية تُلغي أيّ طرف، بل تكمن أهميتها في أنّ كل جهة تصل بقوتها، وهناك شخصيات مستقلة وصلت الى مجلس النواب انطلاقاً من حيثيتها وقوتها. أمّا «الخصام» مع الحليف التاريخي حزب الكتائب اللبنانية فسببه، حسب «القوات»، النائب سامي الجميّل الذي يفتح السجالات ويهاجم «القوات» وينتقدها.


أمّا على خط العلاقة مع رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، فلم يُكسب هذا التحالف «القوات» لا في انتخابات ولا في تعيينات. ويتغاضى الحريري عن كلّ التنازلات والدعم القواتي له، فيما لا ينفكّ عن لَوم جعجع على موقفه خلال فترة استقالته في 2017 من السعودية، وعلى مواقف «القوات» في الحكومة الحالية وعدم تصويتها على موازنة 2019.

 

في المقابل، لا يرمي الحريري باسيل بوردة على الرغم من كل الشوك الذي رماه باسيل على «المستقبل»، إلّا أنّ «القوات» تعتبر أنّ الحريري رئيس حكومة وباسيل رئيس تيار وتكتل نيابي، ومن الطبيعي أن يلتقيا على مساحة معينة، كما من الطبيعي أن يلتقي الحريري مع «القوات» انطلاقاً من الرؤية الاستراتيجية التي تحكم تفاهمهما وانطلاقاً من وزن «القوات» السياسي. ولا تعتبر أنّ «لوم» الحريري يُفسد في الود قضية، فلكلّ طرف موقف خاص في المسائل كلّها.

 

بالنسبة إلى التحالف مع الاشتراكي فهو بالنسبة إلى «القوات» ثابت، «وإذا تقدمت العلاقة بين الإشتراكي وباسيل، فلا يعني أنها تراجعت معنا، فعلاقتنا ثابتة سياسياً ووطنياً، وتُرجمت عبر التحالفات الانتخابية في 2005 و2009 و2018».

 

وترفض «القوات» وجهة النظر القائلة إنّ باسيل نجح حيث فشل جعجع، وتُذكّر بـ«أننا إذا عدنا 3 أشهر الى الوراء كان باسيل مصطدماً بالجميع، ومساره يشير الى أنه سيستمر في خطابه الصدامي». أما إذا كان معيار الفشل والنجاح هو حصة في التعيينات، فليس هذا هدف «القوات»، بل ما تسعى إليه هو إقرار آليّة للتعيينات.

 

ولا يعتبر جعجع أنّ سياسته خَسّرته، فتَمَدّد «القوات» شعبياً ونيابياً دليل على أنّ مقاربتها الوطنية صحيحة، وانطلاقاً من حيثيتها الشعبية وتقدير مواقفها تمكّنت من أن تكون في المرحلة الراهنة طرفاً مؤثراً في السياسة الداخلية. وتشير أوساط قواتية إلى أنّ المجتمع الدولي حَرصَ، خلال تأليف حكومة «الى العمل»، على مشاركة «القوات» في الحكومة، لسببين: التوازن السيادي، والتأكيد على نهجها الإصلاحي.

 

إذاً، جعجع متمسّك بسياسته التي هي سياسة تراكُم المواقف نفسها على المستويات السيادية والإصلاحية ومكافحة الفساد. ولن تغيّر «القوات» تموضعها «من أجل موقع إداري أو نيابي أو وزاري أو رئاسي».

 

ولا تُنكر «القوات» طموحها المشروع للوصول إلى رئاسة الجمهورية. هذا هدف أساسي لجعجع الذي يعتبر أنّ «الإصلاح الحقيقي يبدأ من فوق»، لكنّ طريق جعجع الى الرئاسة يختلف عن طريق باسيل ولن يحيد عنه.

 

ووفق مصادر قريبة من رئيس «القوات»، يسعى جعجع الى الوصول إلى قصر بعبدا لتحقيق التغيير على المستويين السياسي والإصلاحي، ولا يريد أن يصل إليه نتيجة مُقايضة أو تنازلات، بل انطلاقاً من اقتناعاته الوطنية ومبادئه السياسية واستراتيجيته السيادية ورؤيته الإصلاحية.