مجموعة محظور على الرجال دخولها، كأنها صالة تدخل إليها النساء، وكأنهن يدخلن بيوتهن ويخلعن عنهن تعب الأيام ويخبرن قصصهن.
 
قصص عن الحب والظلم والفقر والتعب النفسي وقلة الحظ، وعن أسرار طفولة وزوج خائن وآخر عنيف، عن زواج جميل وعن اختلافات كثيرة.
 
نساء معظمهن لبنانيات يلقين أسرارهن في بئر الفيسبوك، وينتظرن تفاعل أخريات بكلمة دعم أو قصة حياة أو تجربة أو حتى "طبطبة".
 
"مساحة حب ودعم للنساء"، اسم مجموعة سرية على منصة فيسبوك أنشئت أواخر آب/أغسطس 2019، لا تظهر للباحثين ولا يمكن الاشتراك فيها إلا من خلال الدعوات الخاصة، أو بطلب العضوية من مؤسِّسة المجموعة السيدة فرح أبي مرشد. هذه المجموعة جمعت في وقت قياسي أكثر من 3800 امرأة من أعمار ومهن ومجتمعات وجنسيات مختلفة.
 
 
مساحة حب ودعم للنساء
السيدة فرح أبي مرشد صاحبة الفكرة، وهي مديرة جمعية مؤسسة جفرا للتنمية في منطقة بيصور التي تضم مشروعا نسويا يجمع نساء من مناطق عدة، ويعمل على رفع الوعي والقدرات. وفي هذا التجمع الذي سمي "نون التضامن" كان هناك -بحسب فرح- تفريغ نفسي جماعي وتعاطف كبيران بين النساء.
 
وهذا أعطاها فكرة عن مدى احتياج النساء لفضاءات مشتركة، رغم وجود عدد من الجمعيات التي تعنى بشؤون النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها لم تجد فيها هدفا نسويا وحقوقيا واضحا يناقش قضايا المرأة.
 
ولهذا فكرت فرح "أن من الجيد خلق مساحة خاصة للنساء عامة والبعيدات عن المدن خاصة، لأنني ابنة الريف وأعرف محدودية الفرص فيه، وأعرف أن عدم الوصول إلى نساء الريف يؤخر الحركة النسوية بشكل عام في البلد".
 
والهدف الأساسي من المجموعة -بحسب فرح- أنه لخلق فضاء ومساحة للنساء يعبرن فيها، وفيها دعم معنوي ومعرفي، ولمناقشة قضايا خاصة بالنساء والإعلان عن فرص مساعدة من ورشات عمل وتدريب إلى فرص عمل.
 
وتؤكد أن النساء في وقت قصير أثبتن حاجتهن إلى مجموعة كهذه للتحدث مع بعضهن بعضا، بغض النظر عن الاختلافات في الخلفية الثقافية أو المذهبية، وحتى في نظهرتن إلى المواضيع الحقوقية التي تتداخل أحيانا مع الضوابط أو السلطة الدينية.
 
النساء يناقشن قضاياهن
أما كيف يتم التواصل في هذه المجموعة، فإن أي سيدة تطرح قصتها أو قضيتها تأخذ الموافقة للنشر ويتم التفاعل مع باقي أفراد المجموعة، وهكذا تحرك النساء قضاياهن من خلال النقاش وتبادل الآراء.
وأكثر المواضيع طرحا بحسب فرح هي: عن العنف، والتحرش، والسلطة الأبوية، والنظام الذكوري، والحضانة، وحق إعطاء الجنسية، والطلاق وما يترتب عليه نفسيا واجتماعيا، وعن الصحة النفسية، وعلاقات الحب الصعبة والسامة، والابتزاز العاطفي، والانتحار، والتزويج المبكر.
 
وتقول فرح "المهم أن النساء العضوات أصبحن يطرحن الأفكار ويبدأن البحث وإطلاع المجموعة على النتائج. فتحولن إلى متفاعلات أكثر منهن متلقيات".
 
 
أعراف المجموعة النسائية
شرط الانتساب الأول والأخير أن تكون المنتسبة امرأة، ولكن تقول فرح "في الفضاء الأزرق ليس من السهل الحماية، فقد يتسلل بعض الرجال بأسماء نسائية، ولكن لا بأس إن قرؤوا وسمعوا قصصنا ووجهات نظرنا وكيف نفكر".
 
تخبر فرح أن من أهم الأعراف في المجموعة: لا للأحكام المسبقة، ويجب تقبل رأي الآخر وتقبل التنوع، أن يكون النقاش للقضايا لا للأشخاص، وتمنع النكات الجنسية أو المهينة للنساء، والسرية مطلوبة من الجميع.
 
وتضيف أن بعض السيدات يرسلن قصصهن ويطلبن نشرها وحذف أسمائهن، و"نحن نحترم هذه الخصوصية ونبقيها قيد الكتمان".
 
يساعد فرح في إدارة هذه المجموعة خمس مديرات (آدمنز) سيدات، مما "يتيح التشاركية ونضج الأفكار وتطورها".
 
تقول فرح إن أغلب من يأتين إلى المجموعة يبقين فيها رغم الاختلاف، فالصفحة فرصة للنساء ليطورن قدراتهن في مجالات التواصل.
 
وعن عدم قبول الرجال في المجموعة، توضح فرح "لم ندخل رجالا في المجموعة بناء على طلب النساء"، رغم أنها توضح أنها ليست ضد الرجال ولا تفهم النسوية بهذه الطريقة، بل تعتبرها نضالا سياسيا اجتماعيا فكريا لصالح المرأة وليست حركة ضد الرجل.
 
 
مجموعة تفاعلية وخدماتية للنساء
والمجموعة فعالة جدا، فعدد من السيدات طلبن عملا بحسب مؤهلاتهن، ومنهن من يحضرّن المونة أو يعلّمن دروسا خصوصية أو حاضنات أو في المحاسبة والإدارة... منهن من يسألن عن شقة للإيجار، أو عن طبيب أو معالج نفسي، ومنهن من يسألن عن تجارب الأخريات في الزواج المختلط، ومنهن من يشاركن خلطة قناع للوجه أو تحضير طبخة... إلخ.
 
ويمكن القول إنها مجموعة تفاعلية وخدماتية بامتياز تشعر النساء فيها بسهولة الطلب، وكأنه مجتمع نسائي متعاون تجمعهن وحدة حال رغم اختلافهن وحتى خلافاتهن على مواضيع مختلفة.
 
من المبكر حقا تقييم هكذا تجربة لكن لا بد من الاعتراف بانتشارها السريع الذي قد يعود للحاجة إلى الفضفضة والتعاون من ناحية، أو للاطلاع على قصص نساء أخريات، وربما التماهي معها أو التعلم من التجربة أو لمجرد التشارك من ناحية أخرى.