ما يميز الاحتفاء بموسم عاشوراء – وهي ذكرى استشهاد سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي في بلد كالسعودية عن غيرها من مراكز تواجد الشيعة في العالم، هو التطور المستمر في مستوى الخطاب المنبري وقدرته على ملامسة قضايا وموضوعات معاصرة بأسلوب راقٍ.
 
في محافظة القطيف لوحدها يبلغ عدد المجالس الحسينية الرجالية حوالي ألف مجلس يوميًا، تبدأ من الخامسة صباحًا حتى بعد منتصف الليل، ومعظمها مخصص لقراءة التعزية ومصاب الإمام الحسين في واقعة كربلاء التي حدثت عام 61هـ، لكن العديد من هذه المجالس بدأت بالتميز في تجاوز النمط التقليدي في الطرح لإضافة أبعاد أخرى في العطاء الثقافي والفكري.
 
في السابق كان هناك شح في عدد الخطباء المحليين وضعف في مستواهم، مما كان يدفع بعض أصحاب المجالس إلى استضافة خطباء من خارج السعودية كالبحرين والعراق وغيرها، لكن الآن أصبح الخطباء المحليون هم سادة الموقف وبعضهم يحاضر في مجالس الشيعة في دول الخليج الأخرى وحتى في لبنان.
 
وبقراءة سريعة لمحتوى الخطاب المنبري لهذا العام، تجد أنه يقترب من الموضوعات المعاصرة والشائكة ويبتعد عن التاريخية والمذهبية التي كانت سائدة لسنوات طويلة، وبعيدًا عن سرد قائمة المحاضرين، فإن بعض الخطباء ركزوا على قضايا بناء الشخصية الإيجابية في المجتمع ومؤثرات العنف والموقف منه، داعين إلى الانفتاح على مختلف فئات المجتمع والتفاعل معها ومواجهة حالة الانكفاء والانغلاق التي تشوب العلاقات الاجتماعية.
 
كما تناولت خطابات بعض المجالس النظرة المتوازنة للترفيه، والمشاكل الاجتماعية كالطلاق وترويج المخدرات والتأهيل العلمي، ومن الناحية الفكرية جدد بعض المحاضرين دعوتهم إلى نقد وتجديد وتنقيح التراث ومواجهة الخرافة ومراجعة الفكر الديني ومواجهة العلم والدين، ومن العناوين الحقوقية في الموسم جاءت عناوين التسامح والقيم والمبادئ واحترام حقوق الغير، والعنف الأسري.
 
الملاحظ أيضًا أن الخطباء بدأوا في التفاعل والتجاوب مع ملاحظات شخصيات المجتمع من مثقفين وكتاب وغيرهم، فبادر بعضهم بعقد لقاءات تشاورية لدراسة الموضوعات المقترحة والتحضير لها، كما عمل بعضهم على عقد جلسات تقييم بعد انتهاء الموسم، وهذا ما حقق التطور المشهود في هذه المجالس.
 
هذا المهرجان الثقافي السنوي الذي يستمر لمدة عشرة أيام، يشمل إضافة إلى المحاضرات مواكب العزاء وضيافة المعزين والمشاركين، وتنظيم أعمال فنية متنوعة كالمعارض التشكيلية والفوتوغرافية، والتمثيليات والمسرحيات في الهواء الطلق، وبرامج التطوع المختلفة للشباب من الجنسين.
 
كانت -ولا تزال- جهود ومتابعة الجهات الأمنية سببًا في نجاح الموسم وتنظيم حركة المرور واستتباب الحالة الأمنية، طوال فترة المحرم التي تتسم بكثافة الحضور والتجمعات البشرية.