في نهاية الامر ان لبنان يتعرّض حاليًا لضُغوط ضخمة، إقتصاديّة ماليّة مُباشرة حينًا، وسياسيّة أمنيّة بغلاف إقتصادي حينًا آخر، ما يجعل الوضع الحياتي المعيشي مَرهونًا ليس فقط بإجراءات داخليّة مطلوبة بإلحاح، إنّما باعتبارات خارجيّة لها علاقة بالسلاح الإقتصادي.
 
تغّير الاوضاع السياسة في المنطقة كل يوم، من إيران، الى العراق وسوريا ولبنان، فبعد المستجدات العسكرية على الحدود اللبنانية الجنوبية، وزيارة السيد مقتدى الصدر الى إيران ، واقالة جون بولتون من منصبه والهجوم على معملي ارامكو فلبنان الذي يُعاني من أزمة إقتصاديّة خانقة، ومن ضائقة مالية مُتفاقمة،  يتعرض لضُغوط دَوليّة كبيرة، تجاوزت في الآونة الأخيرة مسألة المطالب الإصلاحيّة الإقتصاديّة والحياتيّة، لتبلغ مرحلة المطالب السياسيّة الأمنيّة المُغلّفة بطابع إقتصادي. 
 
وهذا ما تظهّر بشكل واضح خلال المُحادثات التي أجراها كلّ من المُوفد الفرنسي المُكلّف مُتابعة تنفيذ مُقرّرات مُؤتمر سيدر، بيار دوكان، ومن ثم مُساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي أشار إلى اتساع مروحة العقوبات ولن تنحصر فقط بشخصيات أو مؤسسات من طائفة محددة.
 
 العقوبات ستشمل رجال أعمال، أو شخصيات سياسية، على علاقة بحزب الله، أو تعتبرها واشنطن توفر الغطاء للحزب وتقدّم له المساعدة المالية وغير المالية. 
 
تصرّ واشنطن على الفصل بين لبنان كدولة وحزب الله. والقاعدة التي يعمل الأميركيون على تكريسها، هي عدم السماح للحزب بالاستفراد بالدولة، أو بالسيطرة عليها منفرداً. ولذلك لا تهدأ التحذيرات الأميركية للسياسيين اللبنانيين بوجوب التصدي لحزب الله وكبحه، رغم علم واشنطن أن مواجهة الحزب لبنانياً لن تكون متكافئة.   وتعلم أن حزب الله يمتلك أوراقاً متراكمة من القوة، فلم يعد ممكناً للدولة اللبنانية اتخاذ أي قرار لا يتوافق مع مصلحة الحزب وتوجهاته. وبالتالي، فإن كل هذه العقوبات والضغوط تهدف الان للضغط والتضييق على حزب الله من خلال حلفائه. وعليه لا يبدو حلفاء "حزب الله" في موقفٍ يُحسَدون عليه في هذه المرحلة.
 
 سيف العقوبات الأميركية لا يزال مصلتاً عليهم، بل إنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ قائمة تشمل بعض أسمائهم جاهزة، وإن كان كثيرون يراهنون على أنّ الاتصالات السياسية نجحت في تجميدها حتى إشعارٍ آخر.
 
بيد أنّ هذا الرهان تراجع كثيراً بعد الجولة الاستطلاعية التي أجراها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر في بيروت، والتي ختمها بإعلانٍ مثيرٍ للجدل وعد فيه بأنّ العقوبات ستطاول في المستقبل من وصفهم بـ المساندين لحزب الله بغضّ النظر عن طائفتهم.
 
 
وكأنّ هذا الترهيب الأميركي لا يكفي، ثمّة من يعتقد أنّ الحزب يضاعف، بالترغيب، من هذا الإحراج، من خلال بعض المواقف التي يطلقها، وآخرها تكرار أمينه العام السيد حسن نصر الله عبارات الولاء لايران ومرشدها وصولاً إلى رفع شعار أنّ إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو الإمام الخامنئي.
 
 صحيح أنّ العقوبات الأميركية على حزب الله لم تخرج حتى الآن من الدائرة الشيعية الضيّقة، ولو لم تقتصر على من يمكن وصفهم بـ المحازبين والملتزمين، على حدّ ما يؤكّد العارفون، إلا أنّ الحديث عن عقوباتٍ على حلفاء الحزب من غير الشيعة، وخصوصاً من المسيحيّين، يعود إلى الواجهة بين الفينة والأخرى، تارةً على شكل تسريباتٍ إعلاميّة، وطوراً من خلال تصريحاتٍ تبدو ملتبسة لكثيرين.
 
وإذا كان رئيس الحكومة سعد الحريري نجح في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، في حصر التداول الإعلامي بالأمر، بعدما قيل إنّه نجح في إقناع الأميركيين بأنّ فرض عقوبات على حلفاء الحزب، وخصوصاً على وزراء أساسيّين في الحكومة، لن يصبّ في مصلحة أحد، فإنّ الأميركيين أنفسهم أعادوا التلويح بالأمر، على هامش الزيارة الاستطلاعية التي قام بها المبعوث الجديد إلى لبنان ديفيد شنكر.
قالها شنكر صراحةً في المستقبل سنعلن ضمن العقوبات عن أسماء أشخاص جدد يساندون حزب الله، بغض النظر عن طائفتهم ودينهم. كلامه جاء بالتوازي مع عقوباتٍ جديدة فرضتها واشنطن على أربعة أفراد من حزب الله، في ذكرى هجمات الحادي عشر من أيلول. 
 
إن دلّ ذلك على شيء، فعلى أنّ مسار العقوبات مستمرّ في مسارٍ يبدو تصاعدياً، بعدما ضرب القطاع المصرفيّ سابقاً، وأنّ الهدف ليس إرضاخ الحزب فقط، ولكن عزله عبر إبعاد حلفائه عنه، بشكلٍ أو بآخر. ويقوم المنطق الأميركي على أنّه إذا كان حزب الله يتمسّك بمقولة أنّه لن يرضخ للعقوبات، بل أنّ لا أثر لها عليه باعتبار أنّ ليس لديه حسابات مصرفية أساساً، ولا زيارات إلى الولايات المتحدة على أجندته، رغم التشكيك بهذه الرواية، فإنّ الأمر لن يكون مشابهاً متى وصل إلى الحلفاء، ممّن لا يتمسّكون بالعلاقات الجيّدة مع واشنطن فحسب، ويدركون أنّ العداء معها لن يصبّ في صالحهم، بل ممّن لديهم مصالح مباشرة في الولايات المتحدة، ما يعني أنّ أيّ عقوباتٍ عليهم سيكون لها تداعيات شديدة السلبية على واقعهم، وهو ما لن يستطيعوا إنكاره
 
.في نهاية الامر ان لبنان يتعرّض حاليًا لضُغوط ضخمة، إقتصاديّة  ماليّة مُباشرة حينًا، وسياسيّة أمنيّة بغلاف إقتصادي حينًا آخر، ما يجعل الوضع الحياتي المعيشي مَرهونًا ليس فقط بإجراءات داخليّة مطلوبة بإلحاح، إنّما باعتبارات خارجيّة لها علاقة بالسلاح الإقتصادي الذي باتت تستخدمه الإدارة الأميركيّة بفعاليّة ضُدّ خُصومها وحتى مع حلفائها، عبر إستهداف مصارف وشركات وحتى رجال أعمال وشخصيّات سياسيّة، تبقى الخلاصة اخيراً ومع تسارع التطورات السياسة في المنطقة ، هل نستطيع القول انه كلّما ازدادت حدة التوتر يصبح الحل قريب.