التطورات المتلاحقة على ساحة المنطقة، وآخرها استهداف منشآت النفط السعودية (ارامكو)، وضعت هذه المنطقة على شفير احتمالات خطيرة، ورفعت التوتر بين السعودية وايران الى أعلى مستوياته، بالتوازي مع ارتفاع وتيرة التهديدات بين واشنطن وطهران وتلويح الولايات المتحدة الاميركية بالتدخل العسكري المباشر ضد ايران، في حال تعرضت السعودية لاعتداء من قبلها. واذا كانت هذه التطورات قد أفرزت نتائج سلبية على تلك المنشآت، تَجلّت نُذُرُها في بروز مؤشرات سلبية على صعيد الصادرات السعودية من النفط، مع ما يترتّب على ذلك من انعكاسات سلبية وإرباكات في سوق النفط وتأثيرات قد لا تبقى محصورة في نطاق المنطقة، الّا انّ اللافت للانتباه، في موازاة هذه الاجواء التي تنذر بانفجارات على مستوى المنطقة، هو الكلام الاميركي الذي يعاكس هذه الاجواء، والذي أعاد وضع المفاوضات بين واشنطن وطهران في دائرة الاحتمالات الواردة، وهو ما عَبّر عنه البيت الابيض في الساعات الماضية، وفحواه انّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب يفكر في لقاء الرئيس الايراني حسن روحاني، خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الاسبوع المقبل.

هذه الاجواء سقطت على الواقع اللبناني، في الوقت الذي يتأرجح في المشكلة التي استجدّت في الايام القليلة الماضية حول ما بات يسمّى «لغز عامر الياس الفاخوري»، وهو أمر أحدث إرباكاً واضحاً على مستويات مختلفة، خصوصاً في ظل الكَم الهائل من الاسئلة التي ما زالت تبحث عن أجوبة، ولاسيما حول سبب حضور آمر معتقل الخيام الى بيروت في هذا الوقت بالذات، ومَن كان خلف هذا الحضور؟ ومَن سَهّلَه، وما هي الغاية منه في هذا الوقت بالذات؟

شينكر

وفي وقت كانت السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد توضِح سبب رَسو البارجة الاميركية USS RAMAGE في مرفأ بيروت، وتشير الى انّ وجود هذه البارجة العسكرية في لبنان هو بمثابة رسالة سياسية، وتؤكد انّ «العلاقة مع لبنان لا تقتصر على التعاون العسكري فقط، فنحن ملتزمون مساعدة الشعب اللبناني خلال هذه الفترة الاقتصادية العصيبة، وندعم المؤسسات اللبنانية التي تدافع عن سيادة لبنان»، كشف مسؤول كبير لـ«الجمهورية» انّ الزيارة الاخيرة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد شينكر الى لبنان، كانت في جوهرها مُعاكِسة تماماً للعنوان الذي اندرجت تحته الزيارة، أي استكمال البحث في ملف الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، الذي بدأه سلفه دايفيد ساترفيلد.

وأشار المسؤول الى «انّ الملف البحري تطرّق الحديث حوله بشكل ثانوي وليس عميقاً، بحيث لم يلامس البحث جوهر هذا الملف ولم يتحقق منه شيء، بدليل انه لم يقم بجولات مكوكية كما كان متوقعاً قبل وصوله، بل انّ جعبة المسؤول الاميركي حملت ما يمكن اعتباره عرضاً مفصّلاً للموقف الاميركي من مجموعة الملفات التي يقع لبنان على تَماس معها، وعلى وجه التحديد موضوع «حزب الله»، الذي بَدا شينكر صريحاً في قوله غير مرة انّ واشنطن لن تسمح له بالامساك بلبنان، ولا باستمراره في تدخلاته على مستوى المنطقة بهدف زعزعة استقرارها، بالاضافة الى تكديس ترسانة الصواريخ التي تهدد أمن المنطقة.

ووصفَ المسؤول الكبير زيارة شينكر بـ«الزيارة السياسية الهجومية»، وقال: «لقد حضر حاملاً خريطة الموقف الاميركي التصعيدي في المرحلة المقبلة، ضد إيران و«حزب الله» على وجه التحديد. لكنّ الملاحظ ان لا جديد في النبرة التصعيدية، فربما كانت هذه الخريطة مرتبطة بالانتخابات الاميركية، إلّا انّ الجديد - القديم هو ما فهم من طَيّات كلامه عن انّ واشنطن بصَدد اعتماد سياسة اكثر شدة، ومن ضمنها فرض عقوبات إضافية على «حزب الله»، وقد تشمل حلفاء له. وهذا الامر، إن حصل، قد تكون له مفاعيل إرباكية جداً على مستوى الداخل اللبناني».

وعندما سئل المسؤول عن هذه المفاعيل؟ عبّر عن تخوّفه من انّ خطورة مثل هذا الاجراء، انه يتزامن مع تَخبّط لبنان في أزمة اقتصادية خانقة، وانّ إقدام الولايات المتحدة على هذه الخطوة معناه اضافة المزيد من عناصر مفاقمة الازمة، الى حدّ قد يصعب الامساك بها، والحَدّ من تدهورها.

3 مصارف مهددة

وفي سياق متصل، علمت الجمهورية» انّ جرعة جديدة من العقوبات قد تستهدف عدداً من المصارف اللبنانية، في خطوة اميركية تلي استهداف «جمّال ترست بنك» بالعقوبات.

وكشفت مصادر موثوقة انّ القرار الاميركي قد اتخذ بوضع 3 مصارف لبنانية على لائحة العقوبات، الّا انّ المصادر لم تحدد توقيت صدور هذا القرار، وما اذا كان سيشمل اعلان العقوبات على هذه المصارف في توقيت واحد، ام انه سيأتي بالتدرّج، بحيث يتم الاعلان عن عقوبات لمصرف تلو الآخر».

العقوبات... واللعب بالنار

وفي موازاة الانباء الواردة من واشنطن في شأن دفعة جديدة من العقوبات التي قد يجري إطلاقها، وقد تطاول أشخاصاً من طوائف مختلفة، متّهمين بتغطية تمويل «حزب الله»، ومؤسسات متورطة وفق الاتهامات الأميركية في عمليات التمويل تلك، يرتفع منسوب القلق الداخلي حيال كيفية الترجمة العملانية لطلب «حزب الله» من الدولة والمصارف عدم الرضوخ للاملاءات الأميركية. وقد جرى تداول مجموعة أفكار، قيل ان قيادة الحزب تعتبر انها صالحة لخطة التصدّي للعقوبات.

هذا الأمر أثار قلقاً في الاوساط المالية والمصرفية التي تراقب الوضع عن كثب، خصوصاً انّ الارباكات المالية وصلت الى حد الخطورة القصوى، واذا نفّذ الحزب تهديداته في المواجهة المالية، فإنّ ذلك قد يكون بمثابة رصاصة الرحمة بالنسبة الى الوضع الاقتصادي. والأخطر انّ الانهيار، اذا وقع في ظروف مشابهة، سيكون الوقوف مجدداً غير مضمون في المدى المنظور. 

مشروع الموازنة

الى ذلك، وبعد خروج مشروع موازنة العام 2020 من وزارة المالية، وسلوكه طريق السراي للبدء في مناقشته بدءاً من يوم غد، تبيّن انّ المشروع خال من أي ضرائب جديدة.

لكنّ هذا الوضع لا يعني انّ الضرائب لن تأتي لاحقاً، خصوصاً انّ الايرادات لا تزال تبدو على حالها، كما كانت في العام 2019، وبالتالي سيكون صعباً تحقيق خفض فعلي في العجز، خصوصاً انّ مجالات خفض الانفاق تضيق أكثر فأكثر، ما دام بند الفوائد على الدين العام وبند الرواتب والملحقات يستأثران لوحدهما بحوالى 79 في المئة من الانفاق. واذا أضفنا دعم الكهرباء والنفقات الجارية التي لا يمكن خفضها، يبقى هامش صغير لترشيد الانفاق بهدف خفض العجز.

ويلاحظ في مشروع موازنة 2020 انّ الانفاق على خدمة الدين العام وعلى الرواتب التقاعدية وتعويضات الصرف قد زادت حوالى 600 مليون دولار، الأمر الذي يدفع الى التساؤل عن سبل خفض العجز فعلياً في هذا الوضع؟

كذلك، تبرز في الموازنة إشكالية دعم الكهرباء والتي حُددت بمبلغ 1500 مليار ليرة. بما يعني خفضها حوالى 800 مليار ليرة عن العام الماضي. هذا الأمر يعني انّ الفارق سيؤدي الى واحد من ثلاثة احتمالات:

اولاً - رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 43 في المئة لتغطية الفارق في الدعم.
ثانياً - تقنين إضافي في الكهرباء يوازي ثلاث ساعات يومياً، لتوفير ثمن الفيول.
ثالثاً - التراجع عن السقف المحدد للدعم، ومنح الكهرباء مبالغ اضافية كما سبق وحصل في العام 2019. 

مجلس الوزراء

يُشار هنا الى انّ مجلس الوزراء سيدرس غداً جدول اعمال من 26 بنداً، وأدرج مشروع موازنة 2020 في آخر بنود الجلسة ليجري البحث في عناوينه، على ان تحدد جلسات متتالية لدرسه ربما اعتباراً من الاربعاء المقبل، قبل سفر الحريري الخميس الى باريس تمهيداً للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبحث في آليّات تنفيذية لمقررات سيدر. كما ستدرس جلسة الغد سلة تعيينات، منها تعيين الدكتور مازن سويد رئيساً لمجلس إدارة ومدير عام المؤسسة العام لتشجيع الإستثمارات (ايدال)، خلفاً للدكتور نبيل عيتاني وأعضاء مجلس الإدارة ومفوض الحكومة لديها، واقتراح بتعيين الأمين العام لمجلس الخصخصة والشراكة.

 
 

الحريري وجنبلاط

وعشيّة دراسة الموازنة في مجلس الوزراء، برزت مساء امس زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو، حيث قال الحريري انه أراد لقاء جنبلاط «في ظل الظروف التي نمر بها والتحضيرات الآتية خصوصاً في ما يخصّ موازنة العام 2020، والأساس في الموازنة هو إعداد خطة لمدة 3 سنوات». وأضاف: «هَمّ المواطن الأول هو الاقتصاد، وعلينا العمل بسرعة، وقد تحدثنا أيضاً عن الوضع في المنطقة».

ورداً على سؤال حول التعيينات وعدم الوفاء بالتعهّدات للقوات اللبنانية؟ قال الحريري: القوات مكوّن أساسي في الحكومة، وسيكون لها حصة في التعيينات المقبلة، و«هِنّي بيعرفوا شو عملوا معي بس أنا ما بيهمّني».

فنيش

الى ذلك، شدد وزير الشباب والرياضة محمد فنيش على أنّ «الوضع الإقتصادي بحاجة لعملية إنقاذ»، مشيراً الى أنّ «مشروع الموازنة 2020 ما زال قيد الدرس والنقاش».

وقال فنيش لـ «الجمهورية»: شيء واحد محسوم بالنسبة لنا وهو عدم المسّ بالطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود».

ووضع فنيش الإعتداء على منشأتي النفط في السعودية في اطار الدفاع عن النفس، معتبراً أنّه مطلوب من السعودية «إيقاف العدوان على الشعب اليمني».

أفيوني

وقال وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني لـ«الجمهورية»: لا بد من خطة إنقاذية للوضع الاقتصادي والمالي، وهذا يوجِب شراكة جميع القوى السياسية في مواجهة الازمة.

وشَدّد افيوني على اجراءات فورية للمعالجة، وأولها تطبيق خطة الكهرباء، ذلك انّ تنفيذها يعطي اشارة على توجّه الحكومة الى تخفيض العجز، ولاسيما عجز الكهرباء الذي يشكل ثلث عجز الدولة.

وأمل عشيّة بدء البحث في موازنة 2020، اقرارها بتخفيض اضافي للعجز عن العام ٢٠١٩، اضافة الى إقرار اصلاحات جذرية، ويندرج فيها اعادة هيكلة القطاع العام وترشيده وزيادة انتاجيته، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي و اطلاق الحكومة الالكترونية، وكذلك اطلاق إصلاح النظام التقاعدي.

وشدد على اقتران الإجراءات المالية بإجراءات لتحفيز النمو الاقتصادي، وهي موجودة في خطط الحكومة وفي البيان الوزاري، وأهمّها إطلاق مشاريع «سيدر» لما لها من تأثير أساسي في تفعيل حركة الاقتصاد وخلق فرص عمل وإعادة تأهيل البنى التحتية، وهذا امر نحن في أشد الحاجة اليه. والنقطة الثانية المهمة لتحفيز النمو هي إطلاق خطة ماكينزي والمباشرة بتنفيذها، فمن شأنها مساعدتنا على إنشاء اقتصاد عصري ومُستدام يساعد ويحفز القطاعات الانتاجية، مثل السياحة والصناعة والزراعة والتكنولوجيا، وينقلنا الى اقتصاد ينتج اكثر ويصدّر اكثر ويستورد اقل، وهذا امر أساسي لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات ودعم بيئة الأعمال الوطنية.

كرم

وقال النائب فادي كرم لـ«الجمهوريّة»: «كان ينقص الاجتماع الاقتصادي في بعبدا قرار واحد، وهو تنفيذ الخطوات الإصلاحية التي طرحها وزراء القوات اللبنانية، فلبنان ينقصه قرار إصلاحي يُنهي عقلية المزرعة، ولكننا لا نتأمل خيراً لأنّ استمراريتهم السياسية من استمرارية دولة المزرعة».

وأَسف كرم لأنّ «موازنة العام 2020 ستسلك المسار نفسه الذي سلكته موازنة 2019، أي ربح الوقت لعدم موت لبنان اقتصادياً، وهذا يعني إبقاء بعض الاوكسجين من خلال إبقاء بعض التمويل لمتعهديهم وشركاتهم ومحاصصاتهم. أمّا الشعب، فمعاناته مستمرّة».

الكتائب

واعتبرت مصادر كتائبية «انّ الشرط الأساسي للدخول في الإصلاح الإقتصادي هو تأمين أجواء سياسية وأمنية ملائمة، وأن تستعيد الدولة اللبنانية قرارها السيادي».

وكشفت المصادر أنّ رئيس الحزب النائب سامي الجميّل زار الرئيس الحريري أمس الأوّل وأطلعه على وجهة نظره، في انتظار كيف سيترجم الحريري وجهة نظر المعارضة النيابية في الموازنة، وفي ضوئها سيكون موقفنا في مجلس النوّاب».

واعتبرت انّ الموازنات اليوم هي أرقام لا تعكس سياسات إصلاحية فعلية وجدّية، فالأهمّ بالنسبة لنا أن تتناول الموازنة مواضيع بنيوية للإقتصاد اللبناني»، وتساءلت ما إذا كانت الحكومة «ستقوم بعملية تجميع أرقام أم هي فعلاً ستقوم بعملية إصلاحية»؟.

من جهة أخرى، وصل وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة، المهندس سعد بن شريدة الكعبي، الى بيروت مساء أمس، في زيارة رسمية يلتقي خلالها من اليوم كبار المسؤولين بصفته الحكومية من جهة، وباعتباره العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول من جهة أخرى.