يبقى الترقبُ كبيراً لِما إذا كان اختبارُ النار الداهِم على الجبهة الجنوبية، مهّد لوضع لبنان الرسمي تحت المجهر الدولي في ضوء ما طَبَعه من تماهٍ كبير مع حزب الله
 
من الواضح في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها المنطقة ومع حالة الاستعداد والترقب في اطار المواجهة الأميركية الإيرانية، ، لبنان الرسمي يسعى لمواجهة هذه المرحلة والتي بالنسبة الى لبنان لن تقف عند حدود الوضع الامني فحسب بل ما يزيد في حراجة الموقف هو الوضع المالي الذي يعاني بدوره من وضع حرج مما ينذر بعواقب كارثية وفي هذا السياق ،يصبح لبنان امام خطر مزدوج وعليه  يُلاقي لبنان الخطرَ المزدوج الذي يشكلّه الواقعُ الإقليمي المتّجهُ نحو مزيدٍ من عضِّ الأصابعِ على الجبهةِ الأميركية  الإيرانية، والوضعَ المالي  الاقتصادي الداخلي الذي استوجبَ إعلانَ حالِ طوارئ، من خلال خطاب مزدوج ، بمحاولةِ توسيعِ مروحة التبريد السياسي وتدوير زوايا الخلافات لعل ذلك يوفّر امكانية العبورِ الصعبِ من النفقِ المُظْلِم.
 
 فبالرغم من مخاطبة الحريري الرأي العام الأميركي بلغة تبدو وانها مصوّبة ضد حزب الله، بقي الخطاب في الداخل على نغم التسوية. ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس الحريري يتحدث الى احدى محطات التلفزة الامريكية عن حزب الله كمشكلة محلّية وإقليمية تحتاج  الى علاج ويقول أنا شخص براغماتي وأعرف حدودي. لا أوافق على تصرفاته، لكننا عاجزون عن كبح جماحه ولا نتحمل المسؤولية عن هجماته الأخيرة على إسرائيل. ولا أتعاطف مع أي مؤسسة مالية تخالف العقوبات الأميركية عليها.
 
 هذا الكلام هو بمثابة الهروب الى الأمام، والاختباء وراء الأصبع، والتهكّم على ذكاء العالم واللبنانيين معاً. ففي نظر العالم ، كما في نظركثير من اللبنانيين بمن فيهم من قاعدة الحريري الشعبية، هذا الكلام يعني ان الحكومة تترك القرار السياسي والسيادي والأمني وقرار الحرب والسلم لـ حزب الله  وهذا لا يلقى تفهّم أو تعاطف البعض وخصوصاً الادارة الامريكية، بغض النظر عن نغمة العجز وعدم تحمل المسؤولية. 
 
 
وفي الوقت الذي اصبحت المنازلةُ الأميركيةُ  الإيرانيةُ تكتسب طابعاً أشدّ شراسة مع سقوطِ فرصةِ الالتفاف على العقوبات عبر النافذة الأوروبية، انصبّ الاهتمامُ في بيروت على مراقبة آفاق المرحلة الجديدة من التوتر الإقليمي من ناحيتين.
 
الأولى محاولة ان كان ما زال ممكناً سحْب البلاد من فم الصراع الذي بدا أن لبنان وُضع فيه منذ ارادت اسرائيل هذه المواجهة لتندفع نحو ذراع حزب الله الكاسرة للتوازن الذي تمثّله الصواريخ الدقيقة بحسب اتهامات تل ابيب، من ضمن عملية القضْمٍ التدريجي لـ أنياب طهران الاستراتيجية التي ارتسمتْ أخيراً في الساحات المترامية كالعراق ولبنان.
 
وفي هذا الإطار،‏‏ يبقى الترقبُ كبيراً لِما إذا كان اختبارُ النار الداهِم على الجبهة الجنوبية، مهّد لوضع لبنان الرسمي تحت المجهر الدولي في ضوء ما طَبَعه من تماهٍ كبير مع حزب الله، كما في ظلّ ربْطَ النزاعٍ الخطير الذي أَحْدَثَه الحزب مع المرحلة الجديدة من المواجهة عبر التوعّد باستهدافِ طائراتٍ اسرائيلية مُسيَّرة في الأجواء اللبنانية لإكمال حلقات معادلة الردع الجديدة التي يريدها والتي بلغت حدّ تعليق القرار 1701.
 
وبعدما كان رئيس الحكومة سعد الحريري أكد في معرض محاولة إقامة مسافة بين الدولة وحزب الله أن الحزب مشكلة إقليمية ولا يحكم البلد مشدداً على عدم سقوط الـ1701، أبلغ الرئيس ميشال عون الى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش أن أي اعتداء على سيادة لبنان وسلامة أراضيه سيُقابَل بدفاع مشروع عن النفس تتحمل اسرائيل كل ما يترتب عليه من نتائج.
 
والثاني البحث عن كيفية التوفيق بين ارتفاع منسوب المخاطرة في اللعب على حافة الهاوية في المنطقة وبين محاولات النفاذ من الخطر المالي  الاقتصادي وتعبيد الطريق الإصلاحية الضرورية لبدء تسييل مقررات سيدر والتي عاود التأكيد عليها وبأسلوب أقرب إلى التوبيخ الموفد الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات المؤتمر بيار دوكان. وإذ شكّل اتصال الرئيس ايمانويل ماكرون بالحريري، تمهيداً لاستقباله في قصر الاليزيه في 20 الحالي، مؤشراً لاهتمام باريس بإخراج لبنان من دائرة الخطر المالي الاقتصادي وتحييده عن المَخاطر الإقليمية، لكن بالخلاصة لقد تم احتواء جولة التوتر الأولى بين إسرائيل وحزب الله بجهود روسية، وكذلك فرنسية وأميركية ومصرية. أتى الاشتباك على شكل تفاهمٍ مدروس بين إسرائيل وحزب الله سبق رد حزب الله على قتل إسرائيل اثنين من عناصره في سوريا، وردّ إسرائيل على رد حزب الله بما تجنب سقوط قتلى. وبقي الرد على عملية  إرسال  إسرائيل  الطائرتين  المسيّرتين  الى  الضاحية  الجنوبية  في بيروت قبل فترة، والذي تقدّر اسرائيل أنه آتٍ من حزب الله، وتسّتعد للرد عليه  اما بتنفيذ  للإنذارات  المتتالية للحكومة اللبنانية بأن إسرائيل سترد بقسوة بما يكبّد لبنان كله باهله ومنشآته الخسائر الضخمة، أو بعمليات محدودة ضد مواقع تصنيع الصواريخ الدقيقة تزعم أنها في البقاع والجنوب اللبناني. لذلك المطلوب من الحكومة اللبنانية ان تخرج من صيغة الخطاب المزدوج وان تميز نفسها عن حالة  التماهي مع موقف حزب الله لان طبيعة المرحلة المقبلة صعبة وخطيرة فحماية للبنان ولبيئة حزب الله بالتحديد لابد من حالة التمايز هذه.