تشهد العلاقات التركية اللبنانية توترا، على خلفية سجالات بين الجانبين حول الحقبة العثمانية في لبنان وفي المنطقة، كان الرئيس اللبناني ميشال عون أول من أثارها، لتقابل برد عنيف من قبل الحكومة التركية.
 
وامتدت السجالات إلى الشارعين اللبناني والتركي، حيث أقدمت مجموعة من المواطنين اللبنانيين على تعليق لافتة على السفارة التركية في العاصمة اللبنانية، رسم عليها علم تركيا مع صورة جمجمة مغطاة بالدماء، وعبارة “انتو كمان انضبّوا” (أنتم أيضا الزموا حدودكم) في اقتباس لمقولة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله موجهة للجنود الإسرائيليين.
 
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي ضجة كبيرة، بين مؤيد لهذا الطرف وداعم لذاك، وسط اعتقاد بأن هناك مبالغة كبيرة في ردود فعل الجانبين الرسميين، وأن الغاية منها ليست سوى حرف الأنظار عن الأزمات التي يتخبط فيها كلا الطرفين.
 
واستدعت الخارجية التركية مساء الخميس، السفير اللبناني لدى أنقرة، غسان المعلّم، على خلفية ما اعتبرته “عملا استفزازيا تعرضت له السفارة التركية في بيروت”.
 
وذكرت مصادر دبلوماسية لوكالة “الأناضول” الرسمية التركية، أنّ مجموعة تتألف من نحو 10 أشخاص، أقدمت صباح الخميس على وضع قطعة قماش على بوابة السفارة التركية في بيروت، كتبت عليها عبارة تهديد.

وأضافت أنه إثر عملية الاستفزاز، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير اللبناني لدى أنقرة، ونقلت له انزعاج أنقرة من الاستفزاز. ووفق المصادر نفسها، تم إبلاغ السفير اللبناني بالقلق على أمن السفارة التركية في بيروت، جراء اقتراب المجموعة من السفارة ووصول أفرادها إلى بوابتها.

ويعود التوتر المستجد في العلاقات التركية اللبنانية إلى تصريحات للرئيس اللبناني ميشال عون في ذكرى مئوية لبنان الكبير وصف فيها ممارسات العثمانيين بالإرهابية.

وقال عون إن “كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية”، لافتا إلى أن “إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين، خصوصًا خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات آلاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة”.

تصريحات الرئيس اللبناني أثارت حفيظة تركيا التي ردت بعنف واصفة عون بأنه “شغوف بالخضوع للاستعمار”.

ويتعاطى النظام التركي بحساسية مفرطة حيال أي انتقاد يوجه للعهد العثماني الذي وإن حمل إيجابيات للمنطقة، وفق رأي الباحثين والمؤرخين، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن سلبياته، فهو يبقى “احتلالا” وإن غلف بلبوس الدين.

وقالت الخارجية التركية في بيان إن كلام عون “مؤسف للغاية وغير مسؤول”، وأشارت إلى أن هذه التصريحات تعد “مقاربة لا مسؤولة، ليس لها وزن في التاريخ”. واعتبرت أن “تجاهل الرئيس عون لما جرى في فترة الاستعمار، التي هي أصل كل مصيبة في يومنا، من خلال تحريف التاريخ عبر الهذيان، ومحاولته تحميل مسؤولية تلك الأمور للإدارة العثمانية، إنما هما تجل مأساوي لشغفه بالخضوع للاستعمار”.

وشكل بيان الخارجية التركية مثار انتقاد واستهجان من الخارجية اللبنانية التي اعتبرت ما جاء فيه أمرا مرفوضا ومدانا، لتقوم على إثر ذلك باستدعاء السفير التركي في بيروت.

ويرى نشطاء أن رفض النظام التركي لأي انتقاد لأسلافه وبهذا الشكل الذي بدا متجاوزا لجميع الأعراف الدبلوماسية، أمر مفهوم لجهة أن هذا النظام يعتبر أنه سليل “الخلافة العثمانية” ويعمل جاهدا على إعادة إحيائها في ثوب جديد، وبالتالي أي مس بها “خط أحمر”.

ويقول النشطاء إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منذ صعوده إلى السلطة بفوز حزبه العدالة والتنمية في انتخابات العام 2002، عمل على إعادة غرس مبادئ وثقافة تلك الحقبة -التي امتدت لخمس قرون- ونشرها ليس فقط في تركيا بل حتى خارجا، فهو يجد في هذا الإرث مدخلا من شأنه أن يفتح أبواب المنطقة مجددا أمام تركيا.

ويذكر هؤلاء برد فعل النظام التركي على تغريدة انتقدت القائد العسكري العثماني فخرالدين باشا، وتسبب ذلك الموقف في زيادة تأزم العلاقات التركية والإماراتية.

ويعتقد محللون أن ما يحصل اليوم على خط بيروت أنقرة هو “زوبعة في فنجان”، وعملية تنفيس عن أزمات مركبة يشهدها البلدان.

ويشير المحللون إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص يحاول من خلال ردود الفعل الانفعالية على بعض القضايا شد العصب التركي إليه، خاصة بعد تراجع مستمر لشعبيته والأزمة التي تعصف بحزبه العدالة والتنمية الذي يواجه نزيفا مستمرا كان آخره خروج رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو.

ويلفت المحللون إلى أن النظام التركي يواجه أزمة غير مسبوقة، لهذا فإصبعه هذه الأيام موضوعة على الزناد، مستشهدين بإعادة تهديده للأوروبيين بفتح الأبواب أمام مئات الآلاف من اللاجئين.